هناك حقيقة بيولوجية متعلقة بالدماغ، هي حاجته الملحة والضرورية للنوم في الليل ولو لوقت يسير، الأمثل والأفضل للدماغ صحيًا وكذلك للجسم والنفس النوم المبكر، وأن تكون الغلبة في حياة الإنسان للنوم المبكر والاستيقاظ المبكر، مع الأخذ في الاعتبار الجمع بين نوم الليل وجزء من نوم النهار، وقد وصف القرآن الكريم همة نبيه صلى الله عليه وسلم في قيام الليل في قوله تعالى: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) فهناك جزء من الليل لا يقل في الاختيارات عن الثلث نوم، وقد أكد ضرورة نوم الليل الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "أصوم وأفطر وأنام وأقوم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني"، وقد وصف القرآن الكريم أعلى همة في قيام الليل في قوله تعالى: (وكانوا قليلًا من الليل ما يهجعون)، ويكون التعويض عن نوم الليل نوم النهار وكلاهما آية من آيات الله، كما قال تعالى: (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله)، لكن نوم جزء من الليل سنة كونية وحاجة ضرورية وراحة دماغية، وقد كتبتُ بالتفصيل في مقالات سابقة في عكاظ عن النوم وأهميته، منها مقال بعنوان: "الا من يشتري سهرًا بنوم"، وهذا يؤكد أن النوم الليلي في رمضان من السنة الفطرية البيولوجية وكذلك هو سنة نبوية ما عدا ليالي العشر الأواخر من رمضان، فإن السنة النبوية هو إحياؤها ترقبًا وتحسبًا لليلة القدر لما فيها من الأجر فهي فترة مؤقتة في السهر ندب الله فيها التفرغ للعبادة لمصلحة الإنسان وهو ليس إجباريا إنما اختياري وليس فرضا إنما نفل، وبطريقة الترقب والتحري لليلة القدر لما فيها من الفضل، وهي أكثر تحديدًا تكون في الليالي الفردية دون الليالي الزوجية يعني خمس ليال فقط سهر كامل في السنة كلها، وليست متواصلة إنما ليلة بعد ليلة، وذلك تخفيف من الله، ومما ثبت في نص الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو وحده في بيته من كان يحيي ليالي العشر لكن أهله كانوا ينامون ليلًا، فيوقظهم للقيام "وكان إذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله"، ومعنى ذلك أنه عليه السلام كان قبل العشر ينام جزءا من الليل تأكيدًا لقوله عليه السلام: (أنام وأقوم) ولكنه فقط خص العشر الأواخر بإحياء الليل وشد المئزر وإيقاظ الأهل، وددت أن أُوضِّح هذا الأمر ليظهر للناس التنسيق البديع بين التكليف الرباني في العبادة وبين المتطلب الخَلقي (فتح الخاء) للخلايا وراحة الدماغ والجسم والنفس، كما قال تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، وإن سهر الليل المحض في شهر رمضان كله من بدايته إلى نهايته ليس من السنة، لذلك كانت سنة الاعتكاف في العشر الأواخر فقط، ولم تكن للشهر كله، حيث يكون المعتكف في المسجد للتفرغ للعبادة وإن لزمه شيء من النوم ليلا إن تعب يكون من حقه ذلك، وليس النوم في المسجد راحة للمعتكف نهارًا أو ليلًا مما نهى عنه الشارع، بل الأصل في ذلك أن يأتي المسلم من العبادة ما يطيق، هذا إذا تذكرنا أن قيام الليل والاعتكاف أساسًا هو سنة وليس من الواجبات أو مما افترضه الله، لكن الذي يدفع لقيام الليل كله في الليالي الفردية من العشر الأواخر هو أنه "عرض" مغري من الله وكرمه، فالذي يدرك تلك الليلة يغفر ذنبه ويلبى طلبه ويضاعف أجره بألف شهر، إنه "عرض" يستحق بذل السهر -المؤقت- من أجله، فاللهم اجعلنا ممن يدرك ليلة القدر ويحظى بعظيم الأجر.
مشاركة :