رحم الله العم عمر بادحدح وغفر له، عرفته عن قرب، كان يهمه أمر المعسرين الذين سُجنوا لمديونياتهم، حيث أوضاعهم المالية جعلت الواحد منهم حبيس الجدران، فعمل جهدًا كبيرًا في لجنة مُتخصّصة لهذا الغرض، كان همّه أن يفرج الكرب بتبني حالات الإعسار الذين عليهم ديون ليفك أسرهم وييسر عسرهم، هذا العمل يحقق بندًا عظيمًا من بنود مصارف الزكاة ألا وهو "الغارمين" وهم الذين عليهم ديون، وليس شرطًا أن يكون الإنسان مسجونًا ليكون غارمًا يُعطى من الزكاة، لأن هناك معسرين وعليهم ديون هم بحاجة لمن يرفع عنهم هَم (بفتح الهاء) الدين، ولا ينبغي إعطاء الزكاة لمن يدّعي أنه صاحب دين وعسر، لكن كما كان يفعل العم بادحدح يدرس ملف كل حالة، ويُشكِّل لجان مُتخصِّصة لهذا الغرض، وكان رحمه الله يشن حربًا شعواء على المتسولين لأنه ثبت له كما كان يقول لي: إنهم يضحكون على الناس، لذلك ومن هذا المنبر الصحفي أدعو أصحاب الزكاة ألَّا يكون همّهم التخلص من الزكاة وتفريقها على المارة من "المتسولين المتجولين"، لأنهم قد لا ينطبق على كثير منهم أي مصرف من مصارف الزكاة، وبالتالي إخراج الزكاة يكون في غير محله، يقول البعض هذا يجعلنا نُدقِّق فيمن نُعطيهم، وهذا صحيح، لأن الأمر هنا أمر زكاة وليس صدقة، وكل زكاة صدقة، وليس كل صدقة زكاة، فمثلاً لو أن هناك شابًا من أقاربك مُتزوّج وعنده ذرية، وعليه ديون كثيرة هنا وهناك، لا يُمكن أن يقضيها إلا في سنوات، ومُرْهَق ماليًا، هذا أولى بزكاة مالك، لأنه غارم، وهذا مصرف من مصارف الزكاة، وكذلك من كان عليه دية وهو من أقاربك، أو غير أقاربك، فحقّه أن يأخذ من الزكاة (وفي الرقاب)، ومن يكون مسافرا ثم ينقطع ويحتاج للمساعدة فهذا مصرف من المصارف (ابن السبيل)، ويمكن دعم وجوه البر المختلفة كبناء المساجد والأربطة ودعم المرابطين والمجاهدين ويعد ذلك من مصارف الزكاة كذلك (في سبيل الله)، وهنا يجدر أن ننبه ألا يُعْطَى للمجاهدين في سبيل الله لأي أحد، ويمكن أن تكون هناك مشاركة من الزكاة في تأليف قلوب المسلمين الجدد، وهو مصرف (المؤلفة قلوبهم)، أما الذي يجبي الزكاة ويقوم عليها ويديرها وهو ما يُقابله اليوم موظفو الزكاة فيمكن أن يندرجوا تحت بند (العاملين عليها)، وهو بند يُحدّده ولي الأمر، أما البندان المتقاربان فهما الفقراء والمساكين، وهم أهل الحاجة الذين لا يجدون قوتهم، وليس لهم مصدر مالي يغنيهم ويكفيهم، لا في أكلهم أو شربهم أو كسوتهم أو علاجهم، خاصة الأرامل والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة (للفقراء والمساكين)، هذه مصارف ثمانية جاء ذكرها نصًا في القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، والزكاة بهذه المصارف تكون قد غطّت الاحتياجات الاجتماعية والإنسانية ووصلت إلى مستحقيها من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعكس من يريد أن يتخلّص منها فقط، ولا يضعها في مصارفها أو أنه يتحايل على إخراجها أو قد لا يخرجها أصلاً، فإن ذلك متآلف للزكاة إن كان يخرجها لأنه لم يضعها في مظانها ومتآلف للمال الذي يتحايل صاحبه أو لا يخرج زكاة ماله، لأن الزكاة تُطهِّر المال وتنمِّيه، وهي حق الله يؤدى في زمن مخصوص وبطريقة مخصوصة ومصارف مخصوصة.
مشاركة :