تلتصق كلمة «تقلبات» كثيرًا بالجو والتغير المناخي، والتقلبات الجوية عبارة دارجة مألوفة، لأن من مستلزمات الطقس التبديل والتغير والتجديد، وهو سنّة كونية لبقاء الحياة على الأرض، لذلك هناك فصول أربعة تتباين من حيث الحرارة والرطوبة والأمطار والرياح، وكذلك حياة الإنسان لا تستقر على حال واحدة ونفسه لابد أن تتعرض لتقلبات وتغيرات، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحتمية في قوله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)، وقوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، والنفس كالقلب مؤشرات صحتها ألا تكون على وتيرة واحدة عند قراءة تخطيطها الحياتي، فالنفس تتعرض لـ»مطبات» وتثيرها «شهوات» وتصيبها «لكمات» وتعترضها «شبهات» وتحيط بها «ضغوطات» وتقهرها «تصرفات»، وجميع ما سبق وغيره يسبب لها في الحياة تقلبات ينتج عنه تعكير المزاج، وقلق في الإحساس، وأرق في النوم، وتهيُّب وتخوف، ورتابة واكتئاب، وهذا كله يؤثر على صحة الإنسان، وقد يطال التأثير قلبه فيوجعه، ودماغه فيصدعه، وبعضًا من أعضائه مثل المعدة التي تصيبها القرحة أو القولون الذي يصاب بالعصب أو النفس التي تشعر بعدم الارتياح وأنين في المساء وآهات في الصباح. إن الأهم في موضوع التقلبات النفسية أن يدرك الإنسان أهمية قدرة «الله» سبحانه وتعالى في حياته، واضعًا نصب عينيه قوله تعالى: (إن الله على كل شيء قدير) لأن ذلك يساعده على تجاوز كل التقلبات ويمده من الأسباب ما يجعله يتغلب على كل ما يواجهه من مصائب لذلك أجمل ما يلوذ به من قول هو «إنا لله وإنا إليه راجعون». إن الشعور أن الله معك لحظة بلحظة يخفف من أجواء التقلبات ويصرف أضرارها، وعلى الإنسان أن يتكئ على ركيزتين هامتين هما عامودا البقاء في الحياة، أولهما التفاؤل وثانيهما التوكل، وسيصدر لي كتاب قريبا بإذن الله يغطي هذا الجانب بعنوان: «لمسات في التفاؤل والتوكل» ، فالتوكل على الله مصل وقائي فطري وجهاز يتكون من اسفنج الإيمان يعمل على امتصاص كل التقلبات وموجات الضغوط وذبذبات القلق والخوف وترددات الوسوسة الشيطانية والنفسية والدماغية، ولا يكفي أن يقول الإنسان بعض عبارات التوكل دونما يقين قلبي، كما أنه يجب عليه أن يصحب ذلك بخطوات عملية تتمثل في التفاؤل والعمل وتفعيل الحياة بالحركة والبعد عن السكون والتماوت وأول: ما يمثل هذا الغذاء الروحي ممثلًا في الصلاة في جماعة ومداومة ذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وثانيها: البرنامج الرياضي اليومي، وأدناه رياضة المشي والسباحة، وثالثها: المشاركة الاجتماعية وأقلها دائرة القرابة والجيران، ورابعها: تغير وتجديد الحياة من الروتين بالزيارات والأمسيات، وخامسها: تقديم مساعدة للآخرين كهدايا أو صدقات، إن ما ذكرناه يؤهل أن يتغلب الإنسان على تقلباته النفسية، ويمحو آثارها الصحية، وقد وضحت في مقالات سابقة شيئًا عن تلك الآثار الصحية التي تنتج بسبب الناحية النفسية ويطلق عليها اسم النفسجسمية يمكن العودة إليها لمن رغب المزيد في كتابي «أضواء علمية»، وكذلك كتاب «أضواء نفسية». Prof.skarim@gmail.com
مشاركة :