قال فضيلة د. عيسى يحيى شريف إنه في غمرة ما يعيشه الناس في المُجتمعات من تداخل للثقافات وانتشار للشبهات، وطغيان للشهوات يغفل كثير من المسلمين عن أهمية الحرص على سبب دوام صلاح أعمالهم ودوام استقامة أخلاقهم ورشد معاملاتهم فتغزو تلك الضلالات والشبهات كثيراً من القلوب فتصيبها بمختلف الأمراض في حين غفلة وإهمال من أصحاب تلك القلوب. وأوضح د. عيسى في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بمسجد علي بن أبي طالب بالوكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف عن أهمية هذه الحقيقة العظيمة، فقال: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب). وأوضح أن صلاح القلب هو السرّ في اتزان الأعمال واستقامة الأخلاق وسلامة تصرف الجوارح، ففي هذا الحديث الشريف تنبيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مسلم أن يولي اهتماماً بالغاً لصلاح قلبه، مضيفاً إن صلاح القلب أعظم ثروة وأعظم رصيد يدخره المسلم والمسلمة، وهو سبب في صحة السير ورشد التصرف. صدق اللسان وذكر أنه لما سُئل النبي صلى الله عن أفضل الناس، قال: (كل مخموم القلب، صدوق اللسان) قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: (هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غلّ ولا حسد). ولفت الخطيب إلى أن هذه دعوة إلى سلامة وصلاح القلب بأن يتخلى عن كل صفة ذميمة ويتحلى بكل صفة طيبة. وأشار إلى أن محل نظر الله عز وجل يكون إلى القلب والعمل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعماكم). تقوى القلب وبين أن هناك جزئيات من التقوى حسب جزئيات الجوارح لكن تقوى القلب هي الأصل لكل الجوارح، لأن تقوى القلب تعني التعظيم لشعائر الله، (ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، فالقلب موطن التقوى، قال صلى الله عليه وسلم : (التقوى ها هنا)، وأشار صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثلاث مرات. فالقلب المطمئن مشرق بالإيمان، ينساق دائماً إلى الحق والعدل، والخير والفضل وبحسن قصد ونية، وإن صلاح القلب أمره عظيم، وأثره عميم، وقد اعتنى الشرع الحكيم بالقلوب، ودعا إلى تطهيرها وتنقيتها. وأضاف: إن لحياة القلب وصحته طرقاً وأسباباً، وأفضل ذلك إقبال صاحبه على كتاب الله قراءة وتدبراً، وفهماً وتفكراً، ففيه الشفاء والهدى، والنور لمن اهتدى، كما قال سبحانه: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين). أبلغ المواعظ وقال إن القرآن الكريم فيه أبلغ المواعظ وأجلّها، وأنفع الأدوية للقلوب وأصحها، مشيراً إلى قوله تعالى: (أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها). وقال سبحانه: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم). وأكّد أن الذكر يبعث الحياة في القلوب، ويشفيها من آثار الذنوب، لافتاً إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم :« مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر مثل الحي والميت». وأوضح أن إقبال القلب على الله سبحانه، والتضرع إليه من أسباب إجابة الدعاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ». وقال إن الدعاء من أهم أسباب ثبات القلوب واستقامتها، وقلة تقلبها، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول:( يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك). فقال أنس رضي الله عنه: يا رسول الله آمناً بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال:( نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء)، وكان إذا حلف قال: ( لا ومقلب القلوب). مجالسة الأخيار وأشار إلى أن مجالسة الأخيار، ومصاحبة الأبرار من أسباب سلامة القلب؛ فهم ينتقون أطايب الكلام، كما تنتقى أطايب الثمر، فتنزل كلماتهم على القلوب برداً وسلاماً، فتزيدها صفاء وإيماناً، وقد أوصى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالتزام الصحبة الصالحة؛ فقال: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً)، وقال: (فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم). فالصالحون يدلونك على الطاعة، ويعينونك على مكارم الأخلاق والإحسان، بخلاف الغافلين.
مشاركة :