ستين جاكوبسنإن النزعة الشعبوية المتنامية في الغرب تضعف أسس السوق المفتوحة، وقد يؤدي التراجع الظاهر عن العولمة إلى كسب أسواق المال الخليجية لزخم نمو هائل، كما أن غياب النظرية العلمية والبصيرة عن النمو المحموم للأيديولوجية الشعبوية في الغرب قد يحمل أثراً إيجابياً في الأسواق المالية الإقليمية.فبعد تأطيرها بفكرة رومانسية تتوق لاستعادة أمجاد الماضي، شهدت موجة الشعبوية الحالية في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لحظات حاسمة في أعقاب أحداث من أمثال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتخاب الرئيس ترامب. وتبدو الأدلة الأخرى التي تشير إلى تنامي القوى المناهضة للمؤسسات في الغرب بشكل واضح للغاية مع اقتراب المرشحة الرئيسية لليمين الفرنسي مارين لوبان من الفوز بالجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية هذا الأسبوع (23 إبريل).وبعد أن توقع انتصار ترامب قبل أشهر من فوزه بالسباق الرئاسي، يعتقد بأن تنامي السياسات الشعبوية يمثل أكبر تهديد محدق بالأسواق المالية العالمية. وتعتبر الأسواق اليوم مفتوحةً نسبياً ومنصفة لجميع من يرغب بدخولها. ويمثل هذا الأمر أحد الأسباب التي تجعل من بريطانيا بعد البريكسيت وأمريكا ترامب تتصف الآن باضطراب اجتماعي باعث على الانقسامات. وتتسم الأصوات المناهضة لهذا الأمر بكونها صادمةً بحد ذاتها. وهناك من يدعو لرؤية اقتصادية ترفع سوية الإنتاجية وتحمل معها المزيد من التنافسية والانفتاح وتعمل على تحسين الوصول إلى التعليم، وهناك من يحبذ سياسات أكثر حمائية.وفي المملكة المتحدة وعبر أوروبا، اتسمت معظم الأضرار التي تلت نتائج الاستفتاء البريطاني بالقلق من انعكاس سياسات السوق المفتوحة والحدود المفتوحة التي قدمت إضافةً لكل من المملكة المتحدة وشركائها في الاتحاد الأوروبي. ومع قيام الحكومة المحافظة التي تترأسها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بإعلان الطلاق النهائي مع الاتحاد الأوروبي، فإن الخوف من تصويت المملكة المتحدة على الحكم الذاتي وتقرير المصير يوازي المخاوف العالمية بشأن تأثير السياسة الاقتصادية التي ينتهجها الرئيس ترامب في الأسواق العالمية، والتي يرى الكثيرون أنها كانت أكثر ملاءمةً للمناخ الاجتماعي والاقتصادي في الخمسينيات والستينيات، وذلك وفقاً لما ذكره جاكوبسن.كما قد تواجه فكرة السوق المفتوحة في أوروبا المزيد من التحديات في المدى المنظور بالتزامن مع استمرار تكشف السياسة التي ترسم ملامحها أهداف السيادة الوطنية، ولاسيما في فرنسا حيث يمكن أن تشهد مسألة فوز لوبان بالسباق الرئاسي عودة الفرنك الفرنسي وإجراء استفتاء فرنسي على عضوية الاتحاد الأوروبي.ولا تقتصر حالة التوتر على أوروبا والولايات المتحدة فحسب، حيث صرح رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لون مؤخراً في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» بأنه قد يصبح من الضروري اختيار أحد الجانبين المتمثلين بالولايات المتحدة أو الصين، وفي ذات الوقت وبالنسبة للمنطقة الخليجية، يشير جاكوبسن إلى أن حالة عدم الاستقرار خلقت فرصاً جديدةً للازدهار مع استفاقة الأسواق الإقليمية على وقع أسوأ السيناريوهات الممكنة لدول منقسمة بسبب الاضطرابات السياسية وإغلاق الحدود والسوق المفتوحة الضعيفة.وفي حين قد تحتاج دول المنطقة الخليجية ومنطقة الشرق الأوسط ككل لإيجاد توازن سياسي غير مستقر بهدف الحفاظ على التحالفات التي تجمعها مع كل من الولايات المتحدة والصين، قد يشهد العالم المنقسم بين قطبي الشرق والغرب تدفق رؤوس الأموال إلى المناطق الاقتصادية الصغيرة في نهاية المطاف، الأمر الذي قد يشكل فرصةً كبيرةً لسوق الديون الخليجية للحصول على زخم هائل باعتبار أن مسألة إعادة بيع رأس المال للولايات المتحدة أصبحت أقل إلحاحاً.وتمتلك أسواق الديون الخليجية فائضاً في العوائد بالنسبة لخزائن الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل مسألة التعرض للدولار ممكنةً دون أي أموال فعلية تتواجد في الولايات المتحدة. ومع وضع المزيد من احتياطيات الدولار خارج حدود الولايات المتحدة، يمكن أن تصبح سوق الدين الخليجية مربحةً إلى حد كبير، ليس فقط بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، بل أيضاً بالنسبة للمستثمرين الآسيويين والأوروبيين.ولقد شهدت سوق رأس المال الشرق أوسطية نمواً وفق معدل مثير للإعجاب خلال العام الماضي، ومن أجل قيام منطقة دول مجلس التعاون الخليجي لاحتكار إمكانية إنشاء أسواق رأس مال أكثر عمقاً، ينبغي أن تكون هناك رؤية سياسية واضحة وشفافة للمنطقة. وفي حال كان من الممكن جعل أسواق رأس المال عميقةً بما فيه الكفاية لاستيعاب صافي الوفورات الفائضة بأكمله في منطقة الشرق الأوسط، بدلاً من تلك الوفورات الفائضة التي تذهب إلى الخارج، ينبغي من الناحية النظرية أن يكون هناك قاعدة إيداع أعلى والتي من شأنها أن تستقطب مستويات أعلى من الاستثمارات الداخلية.وهذه الفرصة لتحقيق الازدهار الاقتصادي تأتي في وقت تعتبر فيه تحركات من أمثال تطبيق دولة الإمارات لقوانين الإفلاس وإصدار السندات السعودية بمثابة إشارات قوية للغاية إلى بقية العالم مضمونها أن المنطقة الخليجية لاتزال جيدةً ومفتوحةً بشكل فعلي أمام الأعمال.فإذا استمرت دول منطقة مجلس التعاون الخليجي بإطلاق مبادرات تجعل نظامها المالي منسجماً مع النظام الدولي، جنباً إلى جنب مع الميزة الجغرافية الهائلة التي تمتلكها، ستصبح المنطقة مؤثرة بصورة متزايدة في عالم يزداد انقساماً إلى قطبين رئيسيين.* رئيس الاقتصاديين ورئيس شؤون المعلومات لدى «ساكسو بنك»
مشاركة :