إن المبدأ رقم واحد عند الرأسمالية هو الربح ومضاعفته من فائض القيمة، فالرأسمالية من أجل هذا المبدأ تقوم بتسليع كل شيء، الصحة والتعليم والخدمات بأنواعها وحتى الفن، بل تقوم بأبشع من ذلك وهو تسليع الإنسان، وإن تجاوزنا قوتيه العضلية والذهنية، فالإنسان والمرأة بالذات تُستخدم كسلعة عند استخدامها للإعلان التجاري أو عروض الأزياء أو حتى الدعارة المنظمة، مثل مدن القمار الكبيرة كلاس فيغاس وموناكو وأتلانتك سيتي وغيرها.وقد حولت الرأسمالية بجشعها المعهود الفن والثقافة إلى سلعة لتجني من ورائهما الأرباح، فالفن والثقافة ليس لهما أي قيمة عندها طالما لم يأتيا بالربح، وقد خرجت حركات احتجاجية منذ القرن الماضي من جماعات ثقافية وفنية وفرق مسرحية، تطالب بأن يكون الفن كالخبز للجميع، وألا يعطى له قيمة مالية تجعله صعب المنال من فئات وطبقات معينة، وتحصره بفئة تملك المال اللازم للاستمتاع بقيمه الروحية.ففي اللوحات التشكيلية والمقطوعات الموسيقية والغنائية وغيرها، جهد مبذول ولكن الشركات ورجال الأعمال يشترون هذه الأعمال، ثم يبيعونها بعد إضافة قيمة فائضة، فيربحون من سلعة لا يستمتعون بها هم أنفسهم بقدر ما تأتيهم بمال فوق التكلفة.وهذا بدأ يحصل في الكويت منذ تسويق مسرح التهريج التجاري، من أجل إضحاك الناس مقابل أموالهم، ليخرج الجمهور خاوي الذهن والمتعة الروحية، وتلت هذا النوع من المسرح الشركات المتعهدة لجلب العروض والفنانين، بعد أن كان الناس بمقدورهم حضور حفلات كبار الفنانين كأم كلثوم وفيروز وعروض البالية الراقية كفرقة البولشوي، أيام الترويح السياحي في سينما الأندلس، حينها لم تكن توجد مسارح كبيرة ومراكز ثقافية ضخمة، كما قدم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وما زال عروضاً فنية راقية، أنفقت عليها الحكومة أموالاً من أجل متعة الجمهور الكويتي.لكن منذ أن سادت فكرة خصخصة كل شيء في الكويت، وبيع القطاع العام بأكمله للقطاع الخاص، بعد أن تسيّد نظام العولمة أو السياسة النيوليبرالية الجديدة في العالم، وفرض صندوق النقد الدولي وصفاته وأوامره على الدول لانتهاج الخصخصة، بدأ لعاب شركات خاصة يسيل للفكرة، حتى استمرأت وفكرت بالاستيلاء على الثروة الوطنية اليتيمة.فبعد أن بادر الديوان الأميري مشكوراً، لبناء مركز ثقافي ضخم نفخر به مثل مركز جابر الأحمد الصباح، وآخر سيفتتح هو مركز عبد الله السالم الصباح الثقافي، استبشرنا خيراً بعودة الألق الثقافي للكويت، وإلى ريادتها الثقافية والتنويرية، سلم الديوان الأميري إدارة مركز جابر إلى شركة خاصة، على اعتبار أن القطاع الخاص أقدر من العام على إدارة هذه العروض الفنية.ولأن الربح مبدأ مقدس وأساسي لدى الشركات الرأسمالية، قامت الشركة بوضع أسعار خيالية على العروض الفنية والغنائية، فأصبحت هذه الحفلات حكراً على فئة أو طبقة معينة، وحرمت منها فئات شعبية ذات دخل محدود، وزاد الطين بلة بأن دخل الفساد من الباب الواسع، وهو السوق السوداء لبيع التذاكر بأضعاف الثمن المقرر، لكن من يأبه لذلك طالما الشركة قبضت القيمة المضافة لهذه العروض، بل إن بعض العروض تأنف مؤسساتنا الثقافية الحكومية من عرضها، لكنها لدى الشركات الخاصة مهمة بقدر ما تجلب من مال، حتى وإن كانت العروض ليس لها قيمة فنية.وهذا ما سيحدث إذا ما طبقت الحكومة سياسة الخصخصة، على القطاعات العامة والخدمات، أليس ما حدث للفن مثالاً صارخاً على ما سيحدث لنا إن طبقت الخصخصة؟osbohatw@gmail.com
مشاركة :