طلال عوكل يكتب: جديد حماس قديم المنظمة

  • 5/7/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا يحتاج الإنسان إلى أن يكون عرافًا، حتى يدرك ما لا تدركه نصوص الوثيقة السياسية، التي أقرتها حركة حماس، وأعلن عنها في مؤتمر صحفي في الدوحة الأسبوع الماضي، السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة. ثمة ما يدعو للترحيب وفي الآن ذاته ما يدعو إلى التشكيك، إزاء وثيقة سياسية جعلت البعض يذهب إلى وصفها على أنها تقدم حماس جديدة. الورق يقول أنها حماس جديدة، بالنظر لما ورد فيها من تجديد لمواقف الحركة إزاء مفاصل مهمة، فضلا عن لغة راقية قانونية دقيقة يطغى عليها لغة وخطاب السياسة على خطاب الايديولوجيا. لكن قليل من الايديولوجيا يكفي ، فالوثيقة تعرف الحركة على أنها حركة تحرر وطني إسلامي، مرجعيتها الإسلام بما تنطوي عليه كلمة الإسلام من أبعاد، اجتماعية وثقافية وسلوكية، مفاعيلها غير مؤجلة، وتختص بترجمتها أجهزة الدعوة، وأذرع كثيرة، من المؤسسات الاجتماعية والدعوية، وعدد ضخم من المساجد والأئمة. البعض اتهم حماس بناء على ما ورد في الوثيقة، على أنها تقدم نفسها بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل ومفاوض، وأن قيادة الحركة تعمدت الإعلان عنها عشية لقاء الرئيس محمود عباس بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بهدف التشويش، خصوصا وأن تصريحات صدرت عن بعض ناطقيها الرسميين، تطعن في تمثيل الرئيس للفلسطينيين. وفي سياق سياسي متصل يرفض مخططات التصفية الأمريكية الإسرائيلية للقضية، اندلعت موجة من الاتهامات والتخوين، والإساءة غير المقبولة للرئيس عباس، وحظر نشاطات حركة فتح للتضامن مع إضراب الأسرى، فضلا عن استدعاء العشرات من كوادرها وقياداتها من قبل الأمن الداخلي. ولكن هل يعني كل ذلك أن حماس تقدم نفسها من خلال وثيقتها السياسية الجديدة على أنها بديل للمنظمة، كما كان حالها منذ انطلاقتها عام 1987، وكما نص عليه ميثاقها الأول الذي أقرته عام 1988؟. الوثيقة تجيب عن هذا السؤال على نحو مختلف، فقد تمسكت الوثيقة بما تمسكت به المنظمة عام 1974، حين تم إقرار النقاط العشر، أو ما سمي بالبرنامج المرحلي، الذي تبنى تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية على الاراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس بدون التخلي عن الهدف الاستراتيجي، الذي يتصل بالحق التاريخي على كل أرض فلسطين. الفارق هنا محدود ولكنه مهم، ففي حين تبنت المنظمة الهدف المرحلي كبرنامج سياسي، فإن وثيقة حماس لم تفعل ذلك، وبدت موافقتها على إقامة الدولة على الأراضي المحتلة عام 1967، وكأنها مسايرة للتوافق الوطني، ولتسهيل إمكانية تحقيق مصالحة وطنية. هذا يعني أن حركة حماس، لم تعد مقتنعة بأن بإمكانها أن تفرض نفسها بديلا عن المنظمة من خارجها، والتي اعتبرتها الوثيقة إطارا وطنيا جامعا للفلسطينيين، في الداخل والخارج، بدون أن تعترف على أنها في وضعيتها الحالية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. معنى ذلك أن الحركة قررت الصراع على المنظمة والمؤسسة الوطنية من داخلها، وهي كانت قد بدأت العمل وفق هذه القناعة، منذ أن قررت خوض الانتخابات التشريعية، وفازت بأغلبية مقاعد المجلس عام 2006، رغم علمها أنها تنافس على سلطة أوسلو التي ترفضها وتعارضها بقوة. هي سياسة الزحف المتدرج نحو مؤسسة ومواقع القرار، وذلك من خلال إضعاف وإن أمكن تدمير الطرف المنافس وليس من خلال التنافس الديمقراطي، الذي تدعي الوثيقة أنه جزء من منظومة العمل التي تنص عليها، حين تتحدث عن الشراكة، والتعددية، والاعتراف بالآخر، والاحتكام لصناديق الاقتراع، والحوار. في الحديث رعن العقبات التي تحول دون المصالحة، يتجنب الطرفان فتح وحماس، الحديث عن موضوع آليات وحجم مشاركة حماس في منطمة التحرير، ومدى استعداد حركة فتح، لقبولها طرفا مضاربا ومزاحما على مراكز صنع القرار في المؤسسة الفلسطينية. في الوضعية القائمة اليوم، لا تستطيع حركة حماس أن تنجح في أن تقدم نفسها بديلا عن المنظمة، التي تحظى بدعم وشرعية عربية ودولية، والتي اجتازت مرحلة طويلة، حتى وصلت إلى ما وصلت عليه من مرونة، واستجابة لشروط الرباعية الدولية. إن أقصى ما يمكن لحماس أن تحققه، هو في أن تتمكن من تحسين نسبي لعلاقاتها مع بعض الدول العربية، والإقليمية، وربما تجد آذانا صاغية عند بعض الأطراف الأوروبية. في هذه الحالة فإن اسرائيل القوية والفاعلة، هي الطرف الجاهز للعب على التناقضات الفلسطينية بهدف التشكيك في كون المنظمة شريكا، وفي الوقت ذاته اتهام حركة حماس بالتطرف واعتماد العنف والتحريض سبيلا للقضاء عليها. ثمة أكثر من مشكلة بالصلة مع الوثيقة السياسية الجديدة، ذلك أنه سيكون من الصعب على كادر حماس وقواعدها، وربما بعض قياداتها، استيعاب مفردات الوثيقة ومعانيها، وهم كانوا قد تعبأوا لعقود على ثقافة مغايرة تماما، الأمر الذي سيظهر في ميدان الممارسة العملية، ويشكل امتحانا عسيرا لمصداقية النصوص التي تضمنتها الوثيقة. في الواقع تواجه حماس مشكلة كبيرة تتمثل في التناقض الصارخ، بين الأقوال والأفعال، فلقد تضمن برنامجها الانتخابي للتشريعي، نصوصا للديمقراطية، وأفكارا جميلة، لكن الممارسة اللاحقة جاءت متناقضة تماما، وعلى عكس ما ورد في تلك النصوص، وفي الغرف المغلقة تسمع كلاما ولا أجمل، لكنه لا يخرج من أبواب تلك الغرف. على كل حال هذا هو الجمل وهذا هو الجمال كما يقولون، فلتبادر حماس بناء على الوثيقة، إلى السماح للنقابات، ومجالس الطلبة، ومؤسسات المجتمع المدني، بإجراء الانتخابات في قطاع غزة، لتقدم من خلال ذلك نموذجا مختلفا ورسالة لبناء الثقة وامتحان المصداقية. حال حماس ووثيقتها الجديدة هو حال معظم الحركات الاجتماعية السياسية، حيث من السهل تغيير الأفكار والمواقف والسياسات، ولكن من الصعب استيعاب و تغيير الثقافة العميقة، والممارسة العملية.شارك هذا الموضوع:اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)

مشاركة :