صعود اليمين المتطرف في أوروبا

  • 5/7/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

محمد خليفةاحتفلت أوروبا بالذكرى الستين لمعاهدة روما الشهر الماضي التي أسستها ككتلة اقتصادية قبل أن تصير اتحاداً أوروبياً، وكان من أهم الأزمات التي واجهها هذا الاتحاد هو خروج بريطانيا منه، والذي جاء ضربة قاسمة، في حين أن أغلب دوله تجتاحه موجات اليمين المتطرف. فقد عقد في الشهر الماضي في مدينة كوبلينز الألمانية، قادة اليمين المتطرف في فرنسا وهولندا وألمانيا اجتماعهم بهدف الاتفاق على إقامة جبهة موحدة في مواجهة الاتحاد الأوروبي. وما شجعهم على ذلك هو خروج بريطانيا من الاتحاد ووصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية. ومن بين هؤلاء القادة: الفرنسية مارين لوبان، والألمانية فراوكي بيتري والهولندي غيرت فيلدرز والإيطالي ماتيو سالفيني. وجمعيهم جاءت خطاباتهم متشابهة: دعوة للعودة إلى دولة قومية. ويأتي هذا اللقاء بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات التي جرت في معظم الدول الأوروبية في العام الماضي فوزاً كاسحاً للمتطرفين سواء من اليمين أو اليسار، ففي انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت مؤخراً فازت كتلة المحافظين «حزب الشعب الأوروبي» بشكل كبير على حساب الاشتراكيين. وحزب الشعب الأوروبي هو تشكيل من 72 حزباً، ويتبنى مبادئ الديمقراطية المسيحية في 39 بلداً منها دول في الاتحاد الأوروبي، وأخرى خارج الاتحاد. وفي فرنسا شهدت الانتخابات تقدماً كبيراً لليمين المتطرف المتمثل بحزب «الجبهة الوطنية»، وشكل هذا الفوز زلزالاً سياسياً، إذ أصبح هذا الحزب القوة السياسية الأولى في فرنسا. وهو يدعو إلى الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وإلغاء اليورو، والعودة إلى الفرنك الفرنسي، وإيقاف الهجرة واستقبال اللاجئين. مع أن مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان قد تأهلت للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لكن لا يتوقع أن تفوز بالرئاسة في الجولة الثانية المقررة اليوم ، خصوصاً بعد أن أعلن مرشحون خاسرون دعمهم لمرشح الوسط إيمانويل ماكرون. وفي بريطانيا حقق حزب الاستقلال البريطاني اليميني «يوكيب» مفاجأة مدوية في تاريخ السياسة البريطانية؛ بفوزه بأكبر عدد من المقاعد البريطانية في البرلمان الأوروبي، متفوقاً على حزبي الائتلاف الحاكم، وحزب العمال المعارض. واستحوذ الحزب بزعامة نايجل فاراج على 23 مقعداً من مجموع 63 مقعداً. وفي ألمانيا أعلن عن تأسيس الحزب الجديد المسمى «ايه اف دي»، والذي تأسس قبل عامين، فقد دخل البرلمان بنسبة مع 5.6% من الأصوات، ويدعو هذا الحزب إلى إلغاء التعامل باليورو في ألمانيا. وفي اليونان، حل حزب اليسار المتشدد «سيريزا» بقيادة الكسيس تسيبراس في الطليعة. كما أن حزب «الفجر الذهبي» الذي يعادي الأجانب قد حاز شعبية كبيرة بين اليونانيين على الرغم من محاكمة رموزه، وعلى رأسهم المؤسس ميخالولياكوس بتهمة «إنشاء تنظيم إجرامي». وفي النمسا، سجل حزب اليمين المتطرف «اف بي او»، تقدما واضحاً وحل ثالثاً مع 9.19% من الأصوات، محققاً تقدماً ب5 % مقارنة مع الانتخابات السابقة. ومن خلال هذه النتائج قد حصلت الأحزاب المعارضة للاتحاد الأوروبي على نحو 171 من جملة مقاعد البرلمان ال751. من الممكن فهم دواعي اجتياح التطرف لمناطق في العالم النامي كالشرق الأوسط وبقية آسيا، حيث تتخبط معظم الدول النامية في مساعيها لتحقيق التنمية المستدامة، أما في أوروبا فالأمر مختلف، لأن الدول الأوروبية تنتمي إلى العالم المتقدم، والتنمية فيها بلغت أقصى مدى لها.لكن مع ذلك، فإن هذه الدول بدأت تعاني اقتصادياً، ما انعكس بشكل مباشر على شعور المواطنين في الاتحاد الأوروبي. وقد اقترنت التنمية في أوروبا مع مشروع مارشال لإعادة إعمار ما تهدم في دول القارة من جراء الحرب العالمية الثانية، حيث دفعت الولايات المتحدة، وفق ذلك المشروع، عشرات المليارات لدول أوروبية عديدة مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا والنمسا وغيرها من الدول المتضررة، ما أدى إلى ظهور المشاريع العمرانية والصناعية التي ساهمت في تحقيق الرفاه الاجتماعي من خلال دفع رواتب مجزية للعاملين في حقول التنمية المختلفة، وقد استمرت عملية النهوض حتى السبعينات من القرن الماضي، ومن ثم بدأ المد الاقتصادي يتراجع، وفجأة، وجدت نفسها محصورة في داخل حدودها الوطنية، فبريطانيا التي كانت تستعمر ثمانين في المئة من الكرة الأرضية، أصبحت اليوم جزيرة معزولة في بحر الشمال، وأصبحت الصين التي كانت إحدى مستعمراتها تتفوق عليها اقتصادياً وعسكرياً بأضعاف مضاعفة. إن جفاف مصادر الثروة الأوروبية جعل دول أوروبا تعجز عن توفير متطلبات الاستمرار في عملية النمو والتقدم، وباستثناء ألمانيا، فإن كل دول الاتحاد الأوروبي باتت بحاجة إلى عملية إنقاذ لاقتصادها، وهذا ما أدى إلى تغيير مزاج الأوروبيين الذين يعتقدون أن الوحدة الاقتصادية الأوروبية أضرت باقتصاد بلدانهم، ما دفعهم إلى التصويت للأحزاب المتطرفة التي ترفض الاتحاد الأوروبي وتعمل على إلغائه. ومن دون شك، فإن الاتحاد الأوروبي يواجه مشكلة وجودية، وإذا كانت البحبوحة جمعت الأوروبيين في زمن معين، فإن العوز والحاجة قد فرقا بينهم في هذه الأيام، وقد يؤدي ذلك في المستقبل إلى تضعضع الوحدة الأوروبية وانهيار ذلك البناء العالمي الذي خطف ولا يزال يخطف أنظار الدول والشعوب كعنوان للرفاه والتآخي والتعاون. med_khalifaa@hotmail.com

مشاركة :