كنت أتحدث مع قريبتي عن افتقاد روح االتفاعل والمرح في معظم مناسباتنا الاجتماعية وحفلاتنا خصوصا في السنوات الأخيرة رغم كثرة الإنفاق ودقة التجهيز والإعداد لها مقارنة بالماضي. ماالذي أفقد كثيراً من مناسباتنا طابع الفرح الحقيقي؟ وكيف أصبحت في كثير من الأحيان بلا معنى؟ باعتقادي أن السبب هو التركيز على الإبهار والمظاهر أكثر من فكرة الاستمتاع والرغبة في تمضية وقت مبهج مع الأهل والأصحاب، فالإسراف في الضيافة وتقديم الموائد الحافلة بكل ألوان الطعام بشكل مبالغ به حتى في المناسبات البسيطة يظهر خلطاً واضحاً بين مفهومي الكرم والتكلف، كما أن الولع بالتفاصيل والشكليات يأتي في الغالب على حساب راحة الضيوف، إضافة إلى ظاهرة التأخير وعدم الالتزام بالمواعيد التي تضغط على نفسية الأشخاص الميالين إلى الدقة والنظام. إن الرغبة عند البعض في إبراز القدرات المادية والمباهاة أوقعهم في آفة التبذير في كل شيء، ومع اعتياد البعض ملء الأطباق بكميات كبيرة من الطعام رغم معرفتهم بعدم إمكانية تناولها كلها جعل القمائم غالباً مصير تلك الأطعمة، وهذا يتعارض مع العقل والقيم الدينية. نسيان ما يعنيه الاحتفال بمناسبة ما والانشغال بتفاصيل لا قيمة لها، ولا تضيف أي معنى، حوّل بعض المناسبات إلى عبء والتزام ثقيل على الجميع، وأضفى عليها طابع التكلف الذي أدى إلى ضعف التواصل والتفاعل بين المدعوات، فتجد المدعوة تنتظر من يقوم بالترفيه عنها، ولا تأخذ زمام المبادرة بالترويح عن نفسها ومشاركة صاحبة الدعوة في خلق جو من الأنس والفرح، وكأنها تعتبر أن مجرد حضورها كاف. حتى العنصر الشاب لم يعد يتمتع بالحيوية والمرح والرغبة في الانطلاق والاندماج مع الآخرين، فغالباً ما تجد الواحدة منهن متعلقة بجهاز الهاتف المحمول ومنشغلة به عن التواصل والاستمتاع وكأنها في عالم آخر. منذ أيام شاهدت فيلم فيديو مؤثراً بعنوان(look up)أي (ارفع عينيك)، يصف فيه مقدمه وبأسلوب جذاب ما آل إليه حال البشر بسبب إدمانهم على مايسمى بالأجهزة الذكية، فقد عزلتهم عن حياتهم الاجتماعية وجعلتهم يعيشون في وهم، وكرست لديهم الأنانية والغرور والتركيز على الذات، وحرمتهم من متع الحياة الطبيعية بعد أن تحولوا إلى عبيد لتلك الأجهزة التي أوهمتهم أنهم يتواصلون مع الآخرين، مع أن الحقيقة أنهم يعيشون في خداع وزيف، وهو يدعوهم إلى التوقف عن النظر إلى تلك الأجهزة الغبية وإطفاء شاشاتها، وعدم تضييع فرص الحياة بسبب تلك الآلة المدمرة التي سلبتهم المشاعر الجميلة، واللحظات السعيدة، وحرمت أبناءهم من براءة ومتعة الطفولة. سواء كنت ممن يتعبد لتلك الأجهزة ويعلق عيونه عليها ليل نهار، أو كنت ممن يتعلق بالمظاهر والشكليات ويولع في التفاصيل والتقليد فأنت تسلب حياتك نقاءها ومعناها.
مشاركة :