وسائل اتصال بلا تواصل - سهام عبدالله الشارخ

  • 8/14/2013
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

فاجأني أن أسمع معلومة غير قابلة للتصديق من أستاذة جامعية تحمل مؤهلا عاليا في تخصص علمي دقيق، تبين لي بعد ذلك أنها تلقتها عبر ما يعرف (بالواتس آب)، ورغم سهولة التأكد من مدى صحتها إلا أنها لم تفعل. لم تكن هذه المرة الوحيدة التي ألحظ فيها مؤخرا اعتماد الكثير في مجتمعنا - وخصوصا النساء - على هذه الوسيلة في تلقي الأخبار والمعلومات، بل إن بعضهم يفرط في استخدامها إلى حد الإدمان، فتجد الشخص مشدودا إلى جهازه ليستكشف ما وصله من رسائل، مشغولا بقراءتها والرد عليها، بغض النظر عن محتواها وأهميتها أوطرافتها، وقد ثبت من اطلاعي على نوعية كثير مما يتداول أن هذه التقنية لا تستخدم بحكمة حتى من الأشخاص المفترض أنهم ناضجون، فالبعض يرسل وفي كل وقت مايصله دون أن يقرأه أو يتأكد من مناسبته أو مصداقيته، فمن أحداث وصور مزعجة ومحزنة،إلى أخبار كاذبة ونكات سمجة، إلى حكايات غير واقعية ومواعظ مكرورة وسطحية، وكأنهم استغنوا عن قراءة وتداول الكتب بقراءة وتداول هذه الضحالة الفكرية والثقافية، وهم بذلك يقنعون أنفسهم أنهم يمارسون عملا ثقافيا ومسليا، بينما هم ينشرون الغثاء والسخافات والأوهام في زمن أحوج ما نكون إلى الوعي والعمق الفكري، ومع كثرة الاستخدام إلا أنه من النادر-على سبيل المثال - الاستفادة من هذه الوسيلة في إرسال خرائط لمواقع وعناوين معينة عند الحاجة! التراسل الفوري بكل أنواعه وسيلة مفيدة إذا استخدمت بتعقل وفي الوقت والمكان الصحيح، وطالما الإقبال كبير على استخدامها في إرسال الأخبار والمعلومات بجانب الاتصال العائلي والاجتماعي، فلتتحقق المنفعة في اختيار المضامين القيمة الموثقة، التي تتناسب مع مجالات واختصاصات الأفراد، في الطب والهندسة والقانون والعلوم الشرعية والأدب واللغة والتاريخ.. وغير ذلك، ليحدث تواصل علمي وفكري وثقافي حقيقي بينهم، يوطد العلاقات ويشجع على البحث والاطلاع، وبذلك يتمايز المتعلمون المثقفون عن غيرهم، أما ضخ سيل من الرسائل المكررة الفارغة من المعنى والقيمة تحت شعار "انشرللعلم والفائدة " فهو مجرد مضيعة للوقت، وتواصل مفتعل لا يحقق أي هدف، بل بالعكس يعمم الجهل بتوجيه المتلقين البسطاء وأنصاف المتعلمين إلى الوجهة الخاطئة ظنا منهم أن ما يقرأونه علما! في عبارة لافتة ومركزة لأحد الكتاب يقول فيها "فرق كبير بين ثقافة تقلص نسبة الجهل بالعلم وثقافة تؤسس للجهل بالعلم" وهو يقصد أن وعينا بما نجهله يدفعنا للبحث في دروب المعرفة، أما جهلنا بما لا نعرف واكتفاؤنا بعلمنا المحدود أوما نتوهم أنه علم يوقف رغبتنا بالاستزادة من العلم، والمفروض أن "الفكر الإنساني مشروع تحرير مستمر بين العلم المحدود والجهل اللامحدود".

مشاركة :