هل من الممكن أن يكون تنظيم «داعش» وميليشيا الحشد الشعبي هما المادة الأساس والكيانات الممتازة لنجاح المشروع الاستعماري الغربي في المنطقة؟هل في المعقول واللامعقول أن يوظف الأميركان تياراً سلفياً جهادياً يُنصب خليفة ويقيم خلافة ويدعو إلى السير على هدي الصحابة ويكفر بالشبهة من يظنه مفرطاً فيما يعتبره من نواقض الإيمان؟، هل من المعقول أن يحقق هذا الجهاد وهذه الخلافة استراتيجيات أميركا في قيام دول علمانية ليبرالية؟!!وكيف نفهم فرح الأميركان وتحالفهم واستثمارهم لتيار مناقض لداعش وهم (ميليشيا الحشد الشعبي) الذي يرفع شعار آل بيت النبوة ويشدو بحب الشهيد الحسين والدعوة للسير على خطاه وينام ويصحو على دعوات رفع المظلومية عن المُنكسرين ويصرخ بأعلى صوته بالموت لأميركا؟، كيف نفهم أن المحصلة النهائية لممارسات هذا التيار تصب في صالح المشروع الليبرالي العلماني الأميركي؟!!هل من عجب أن ينجح الأميركان في تزهيد المسلمين بدينهم من خلال تسخير أسوأ تنظيمين فكراً وانفعالاً وممارسة وتخريباً يرفعان شعار الإسلام والتوحيد والخلافة، والخليفة وآل البيت والصحابة؟!!الجواب يتلخص فيما يعرفه كل متابع أن من أهداف المشروع الأميركي في العراق وكما هو معلوم تمكين المشروع الليبرالي والعلماني وضرب الإسلام كهوية ومؤسسات، وهذا يقتضي تشويه صورة التجربة الإسلامية من حيث إعطائها الفرصة في ممارسة السلطة والجهاد في ظروف فوضوية مليئة بالتناقضات، ودفعها دوماً الى إظهار أكثر الوجوه سوءاً في التجارب التي مرت على العراق في العصر الحديث بحيث يصل ضررها إلى غالبية الناس، وقد حاولت أميركا في بداية الاحتلال طرح مشاريع علمانية، لكن هذه المشاريع لم تجد رصيداً قوياً خصوصاً في الشارع الشيعي بسبب قرب تجربة صدام حسين وحزب البعث، لذا اقتضى تشويه صورة الإسلام وتدمير المجتمع وطحنه عبر الفوضى الخلاقة، ثم صناعة هويات واتجاهات جديدة، وهذا ما سيحصل كنموذج في عراق ما بعد «داعش» والميليشيات.ومما يؤيد ذلك أنه تم منح حكم العراق للأحزاب الشيعية وبرعاية أميركية منذ 2003 ورغم فشل الأخيرة في إدارة العراق، إلا أن أميركا وقفت معها مجدداً بتجديد رئاسة الوزراء للمالكي (رئيس حزب الدعوة الإسلامي) رغم مخالفة ذلك لمادة دستورية، فسرت بشكل تعسفي كي يستمر المالكي في سُدة الحكم العام 2010، ومعلوم كم هو حجم الفساد الذي يمثله المالكي بعلم الأميركان طبعاً، وقد انتهى العراق في أواخر حكمه مفلساً ومضيعاً نصفه جغرافياً ليكون تحت سلطة «داعش».الناظر الخارجي للمشهد العراقي يظن أن العراق يُدار من قبل المشروع الإسلامي خلال 14 سنة منذ 2003، والحقيقة أنه يدار بمفهوم المشروع الشيعي للحكم بالدرجة الأولى.وقد أثمرت هذه الادارة السيئة أن جعلت العراق في مصاف الدول الأكثر فساداً في العالم على كافة الصُعد، وجعلت المواطن العراقي الأكثر تقتيلاً وتشريداً وتطريداً وحرماناً...الخ.ودخل العراق بعد كل هذه المآسي والفوضى إلى مرحلة اللادولة بشكل تام بعد منتصف 2014 بسقوط الموصل فأصبح العرب السنة تحت قبضة «داعش»، والعرب الشيعة تحت سطوة الميليشيات بشكل كامل، ومعلوم أثر اللادولة على المواطن وتفكيره واحتياجاته في هذا العصر.وقد أدت هذه الطريقة من الحكم إلى تفتيت منظومة الدولة خصوصاً في مناطق العرب السنة، فما نسي داعش تدميره أتت عليه المليشيات دون خجل.هذه السلوكيات المأسوية حوَّلت المجتمع العراقي إلى بيئة خصبة للعلمانية والشبهات الإلحادية كردِّ فعل طبيعي على الذي حصل ومازال.لذا نرى فرحة ملاحدة العرب ونشوة العلمانيين في مجتمعاتنا بالتجربتين الداعشية والميليشياوية وتسويقهما بأنهما النموذج الحقيقي للدين الإسلامي في أصوله وفروعه، الأمر الذي يستوجب تداعياً لأهل العلم والفكر لتعرية هذين المشروعين اللذين ذهبا بأبنائنا نحو الانحراف الفكري والعقدي، والتصدي لموجة التغريب المتطرفة التي بدأت تتزايد في مجتمعاتنا المسلمة قبل أن تغرق هذه المجتمعات في وحل الشبهات والشهوات!!mh_awadi
مشاركة :