اعتبر خبير الإدارة والحوكمة، صالح حسين أن الحوكمة باتت متطلباً إلزامياً في الكثير من التعاملات التجارية والمالية وأن تطبيقها سيكون إلزامياً لا محالة على جميع الشركات، بما فيها الشركات العائلية، التي مازال عملها يحتاج للتعامل مع عدد من التحديات التي تضمن بقاءها لأجيال متعاقبة. وقال حسين في منتدى الفكر الإداري والذي نظمته «الوسط» أمس السبت (20 مايو/ أيار 2017)، إن 3 في المئة من الشركات فقط تستطيع البقاء للجيل الرابع في حين أن معظم الشركات العائلية تختفي أو يتغير شكلها. وأكد الخبير والباحث، الذي ألف أكثر من عشرين كتاباً في مجالات الإدارة والحوكمة والثقافة بعد خبرة دامت 35 عاماً في العمل المصرفي والمالي، أن الحوكمة لم تعد «ترفاً» بالنسبة للشركات التجارية، وأن نطاق إلزامية تطبيقها آخذ في الاتساع من المؤسسات المالية والشركات المدرجة فقط ليمتد لمختلف الشركات بما فيها تلك الشركات العائلية. ويأتي حديث حسين، بعد أن أصدر مؤلفاً عن تطبيق الحوكمة في الشركات العائلية وكتابة دستور العائلة، في حين يعد الباحث لإصدار مؤلف جديد يتناول الحوكمة في المؤسسات الحكومية. ويشير الباحث إلى أن الشركات العائلية عليها التعامل مع 8 تحديات أساسية، والتي تعد الحوكمة أهمها، إضافة لفصل الملكية والإدارة والرقابة في الشركات العائلية بحيث لا تقع في يد شخص واحد، وكتابة الدستور العائلي، والتعامل مع مسألة خلافة قيادة دفة الشركات العائلية، وتحقيق الشفافية، والتدقيق المستقل، وإدارة العلاقات المالية المتشابكة. وأكد الباحث أن غياب الحوكمة من شأنه إضعاف أداء الشركات العائلية، كما أن دستور العائلة مهم لتنظيم علاقات الملاك وحسن إدارة الشركات العائلية واستثماراتها، على أن يتم احترام هذا الدستور الذي من شأنه أن يقلل الخلافات بين أفراد العائلة ويحافظ على استثماراتها، مشدداً على أهمية الوضوح في أمور الخلافة التي تعطي الشركة العائلية فرصة أفضل للاستمرار. هل الحوكمة خيار؟ وانتقد حسين عدم إقدام الشركات العائلية على كتابة دستور واضح لجميع أفراد العائلة، والذي يعد جزءاً مهماً في إطار حوكمة الشركات، إذ يحتوي على البنود الرئيسية التي تكفل انتقالاً سلساً بين الورثة وتقاسم السلطات وتوضيح الواجبات والحقوق، ويساهم في حل الخلافات العائلية التي تنشأ في العمل التجاري والتي قد تصل إلى المحاكم في قضايا تستمر لعشرين أو ثلاثين سنة الأمر الذي يهدد بقاء هذه الشركات. وشرح حسين أن من بين الأمور التي يعالجها دستور العائلة حل النزاعات وتشكيل لجنة لحل المنازعات بمشاركة مستقلين من خارج العائلة للتصدي لمثل هذه المخالفات، والإبقاء على تماسك الشركة. وقال الباحث الاقتصادي إن الحوكمة تقوم على 4 مبادئ أساسية هي العدل، والقبول بالمساءلة، والشفافية، والمسئولية الاجتماعية. وحين كان يقدم صالح حسين محاضرة توعية لأعضاء مجالس إدارة الشركات، قال أحدهم إنه يملك نسبة كبيرة أو يملك الشركة، فلماذا عليه أن يطبق الحوكمة فهو «حر» في التصرف في «ماله». وفي هذا يقول حسين إن مسألة الحوكمة ليست قضية خيار شخصي بقدر ما هي تنبع من واجب تجاه المجتمع، فعندما تكون الأموال في جيب الشخص، فالمال يكون ماله، لكن حينما يقرر أن يكون شركة فإنه يحصل على الأموال من الزبائن من الناس، فلذلك تكون عليه مسئولية، ثم إن النقطة الأخرى أنه يفترض أنه يكون أميناً على أموال تكون مشتركة مع أشخاص آخرين في العائلة. أنواع الشركات العائلية وفي البداية يقدم حسين نبذة عن الشركات العائلية وتركيبتها، والتي عادة تبدأ بوحدة تجارية يملكها ويديرها شخص أو أكثر من العائلة نفسها، أو أن تتعقد لتكون وحدة عمل تجارية ويملكها ويديرها عدد من أفراد العائلة نفسها مع أفراد عائلة أخرى (عائلتين أو أكثر)، أو أن تكون عائلة تدير وتتحكم في شركة أو شركات عائلية أو غير عائلية. وقسم حسين أنواع الشركات العائلية من حيث الملكية والإدارة، ففي الشكل البسيط تدير عائلة واحدة شركة واحدة وبإدارة واحدة وعادة ما يكون هذا النمط للشركات الناشئة أو الجديدة والصغيرة. وتتعدد مراحل الشركات العائلية، لتصل إلى الدرجة الرابعة والتي تكون فيها شركة عائلية مدرجة، وتكون إدارتها مستقلة، في حين يمكن أن يبقى اسم الشركة أو أن يتم تغييره. الشركات العائلية في أرقام ويتحدث الباحث الاقتصادي بالأرقام عن أهمية الشركات العائلية، وأهمية تسليط الضوء عليها، وفي هذا السياق يورد بعض الإحصائيات التي تشير إلى أن 80 في المئة من مجموع الشركات في أي بلد هي شركات عائلية، وهي تمثل ما بين 70 إلى 90 في المئة من الناتج القومي، كما تخلق حتى 80 في المئة من الوظائف. ويقول حسين إن الشركات العائلية في نمو مستمر، إذ تقدر نسبة الشركات العائلية من المؤسسات التجارية التي يجري تأسيسها على مستوى العالم بنحو 85 في المئة، إذ تكتسب هذه الشركات أهمية كبرى حتى في أكبر اقتصاد في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية والتي يوجد فيها ما يقارب 22 مليون شركة. حضور أكبر للشركات العائلية في الشرق الأوسط ولا تختلف منطقة الشرق الأوسط من حيث أهمية الشركات العائلية ومساهمتها في الاقتصاد كما يشرح حسين، إذ لفت إلى أن عددها يقارب 95 في المئة من إجمالي عدد الشركات. ولفت إلى أن بعض الشركات الحكومية كذلك، توجد فيها مساهمات من قبل شركات عائلية، وهذا يوضح مدى توسع النشاط العائلي في مختلف الشركات. ويشير حسين إلى أن الشركات العائلية تساهم بنحو 80 في المئة من الدخل القومي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عموماً، في حين تخلق 75 في المئة من الوظائف، وتساهم في 75 في المئة من الإيرادات التي تحققها شركات القطاع الخاص في المنطقة. ولتبيان مدى ضخامة الشركات العائلية ودورها في المنطقة، يورد حسين بعض الأرقام المهمة، ومن بينها أكبر 10 شركات عائلية تدر ما مقداره 588 مليار دولار. وفي السعودية، تستثمر الشركات العائلية، قرابة 250 مليار دولار في حين أن من الشركات الـ 100 الأكبر في المملكة العربية السعودية 45 شركة عائلية. وتحقق الشركات العائلية في المملكة العربية السعودية إيرادات تبلغ 120 مليار دولار وتوظف 60 في المئة من العمالة. ويوضح صالح حسين أن الجيل الثالث يدير 10 في المئة فقط من الشركات العائلية في السعودية، في حين يدير الجيل الثاني قرابة 20 في المئة من هذه الشركات. انتقال الأجيال ومن حيث انتهى، يعرج الباحث الاقتصادي إلى المعضلة الكبرى التي تواجه الشركات العائلية ليس في البحرين او المنطقة فقط بل على مستوى العالم، وهي انتقال الشركات العائلية من جيل إلى جيل. وبالأرقام، يشير الباحث إلى أنه في أوروبا والولايات المتحدة فإن متوسط عمل الشركات العائلية لا يتجاوز 24 عاماً فقط، إذ إن 40 في المئة من الشركات العائلية تبقى للجيل الثاني، في حين تبقى 13 في المئة منها للجيل الثالث، وتبدأ هذه الشركات بالاختفاء مع الجيل الرابع، حيث لا تعدو نسبة بقاء هذه الشركات في هذا الجيل أكثر من 3 في المئة. الشركات العائلية البحرينية ويكشف صالح حسين عن نتائج استطلاع على الشركات البحرينية العائلية وضم 100 شركة عائلية، يظهر أن شركة واحدة فقط فاق عمرها المئة سنة وشركتين فاق عمراهما الثمانين سنة، و7 شركات استطاعت بلوغ الستين عاماً، في حين تجاوزت 10 شركات أعمارها 51 عاماً، أي أن نحو عشرين شركة عائلية بحرينية استطاعت أن تفوق أعمارها الخمسين عاماً. وعلى رغم هذه الأرقام، وصمود الشركات البحرينية لهذا الوقت الطويل، إلا أن حسين يعود ليؤكد أن التعقيدات التي تواجه الشركات العائلية زادت مع التغييرات المجتمعية واتساع النسب لخارج نطاق العائلة نفسها، إذ يتزوج الأبناء من خارج العائلة عكس ما كان عليه قبل عقود من الزمن، كما أن الجيل الجديد الذي يكون قد تلقى تعليمه في الخارج عادة ما يرغب في التغيير ويأتي بأفكار جديدة، وقد يجنح للاستقلال بأعمال خارج نطاق الشركة العائلية. ومن هنا يرى حسين ضرورة أن تقوم الشركات البحرينية بصياغة دستور للعائلة يكفل التعامل مع مختلف هذه التغيرات. ويقول حسين إن الشركات السعودية أصبح لديها تقليد عريق بأن تكون لديها دساتير عائلية قد تصل إلى 300 صفحة، يجري تنقيحها أو تعديلها بصورة سنوية لتكون قابلة بشكل متزايد للتطبيق. لكن حسين يعبر عن أسفه لوجود بعض الشركات البحرينية التي لم تتبنَّ لها إلى اليوم دستوراً مكتوباً للشركة، يوضح العلاقات بين أفراد العائلة ومع الشركات ومسئوليات الأفراد وغيرها من البنود. واعتبر حسين أن وجود دستور عائلي يعد من بين أحد أهم المتطلبات لتعزيز الحوكمة في الشركات العائلية. تحديات الشركات العائلية ويعرج الباحث الاقتصادي للحديث بإسهاب في التحديات التي تواجه الشركات العائلية ومن بينها الفصل بين الإدارة والملكية والرقابة، ففي الوضع التقليدي للشركات العائلية يكون المالك هو نفسه من يدير الشركة كما يكون هو نفسه من يراقب العمل، الأمر الذي يجعل إدارة شركة بهذا النمط تكتسب تعقيدات تستلزم وجود أطراف أخرى للفصل بين هذه المسائل. أما التحدي الآخر وهو يتعلق بعدم كتابة دستور واضح للعائلة يوضح واجبات وأدوار الأفراد داخله، كما أن مسألة الخلافة تعد من الأمور التي تواجه عمل الشركات العائلية، إلى جانب دخول وخروج أفراد العائلة من الشركات العائلية. ومن بين التحديات كذلك إيجاد نظام للحوكمة، وتحقيق قدر كافٍ من الشفافية، إلى جانب إدارة العلاقات المالية المتشابكة من حيث المساهمين وتوزيع الملكية في الشركة. كما تواجه الشركات العائلية تحدياً آخر يتعلق بوجود التدقيق المستقل، وفي موضوع التدقيق المستقل، يشير الباحث إلى تجربته في المملكة العربية السعودية، حيث إن بعض الشركات العائلية قد تصدر موازنات مختلفة للشركة إحداها لأفراد العائلة وأخرى لاستخدامات الشركة. متطلبات الحوكمة ورسم حسين خارطة الطريق لتعزيز الحوكمة في الشركات العائلية، والتي تبدأ بتشكيل مجلس إدارة فعال بحيث يتواجد فيه أعضاء مستقلون وخبرات من خارج إدارة العائلة سواء كانوا تنفيذيين أو غير تنفيذيين، الأمر الذي يضمن قرارات أفضل لمجلس الإدارة، كما ينبغي أن تكون هناك لجان داخلية فعالة في مختلف جوانب الشركة مع الحفاظ على التركيبة المناسبة من أعضاء هذه اللجان بحيث تمارس دورها باستقلالية ومن دون تداخل. كما ينبغي على الشركات العائلية إصدار سياسات واضحة للتعامل مع «تضارب المصالح»، وهو الأمر الذي عمل به القطاع المالي منذ سنوات طويلة، وفيه يقوم أعضاء مجالس الإدارة والتنفيذيون والموظفون بالإفصاح عن أي أمر يتعلق بوجود تضارب للمصالح سواء في المشتريات والعقود أو حتى تشغيل الموظفين، على أن يتم التوقيع على مثل هذا الإفصاح سنوياً ويتم إبلاغ أي حدث تكون فيه إمكانية وجود تضارب المصالح، وذلك بوقت كافٍ. كما ينبغي أن يكون هنا إدارة المخاطر في مختلف أنشطة الشركة بما فيها تحديد سياسية الاستثمارات والقطاعات التي تعمل فيها الشركة وتحديد صلاحيات كل عضو وحدود المبالغ المالية التي تقع ضمن سلطة قراراته، إلى جانب إيجاد قائمة مستمرة ومتجددة بالمخاطر التي تواجه الشركة. النفخ في الصفارة وفي هذا السياق أشار حسين، إلى ضرورة وجود رقابة داخلية قوية، وإلى أنه من المفيد أن تتبع الشركة سياسة واضحة للتبليغ عن أي مخالفات تتعلق بأداء الشركة سواء من المتعاملين الداخليين في الشركة أو من المتعاملين خارج الشركة وذلك للقضاء على الفساد. وأكد أهمية حماية المبلغين وفق هذا النظام الذي يعرف بـ «النفخ في الصفارة»، على ألا تكون الشكاوى كيدية أو بسوء نية. دستور العائلة وأسهب الخبير في حوكمة الشركات حديثه في موضوع دستور العائلة والذي يعد من المتطلبات الرئيسية لتعزيز حوكمة الشركات العائلية، إذ أشار إلى أن دستور العائلة يتناول الكثير من الأمور والتي يتم تنقيحها بصورة سنوية، ومن بينها التعامل مع الملاك وأعمال واستثمارات العائلة، وخطة الوراثة في حال وفاة أو غياب أحد أعضاء العائلة، والجمعية العامة للشركاء، ومجلس العائلة الذي يتعامل مع القرارات الداخلية التي تخص شئون العائلة، ومجلس الإدارة واللجان، وسياسية التصويت، وسياسية توظيف العائلة. وفي النقطة الأخيرة يشير حسين إلى أن على الشركات أن تخصص صندوقاً للتدريب بحيث يمكن تأهيل أعضاء العائلة ليكونوا قادرين على إدارة دفة الشركة بحيث يمكنهم تولي مسئوليات داخل الشركة العائلية. كما تطرق حسين إلى أهمية وجود مكتب العائلة والذي يدير الشئون الحياتية للعائلة والمصاريف الشخصية وغيرها، إذ إن كثيراً من الخلافات العائلية تحدث بسبب الامتيازات التي تعطى لأحد الأفراد سواء في التعليم والامتيازات المالية وأن بعض هذه الخلافات تصل للمحاكم. وأكد حسين على أهمية أن يتناول دستور العائلة طرق فض المنازعات مع وجود لجنة لفض المنازعات العائلية عبر لجنة متخصصة. كما أشار حسين إلى ضرورة أن تكون هناك سياسية تتعلق بالاستثمار وسياسة أخرى تتعلق بالإرث والأعمال الخيرية. إدراج الشركات العائلية ويعد تطبيق إجراءات الحوكمة من الأمور المهمة التي تقود الشركات العائلية نحو الإدراج والتي تتطلب الالتزام بعدد من الإجراءات الرقابية قبل الحصول على الموافقات. ولفت حسين إلى أن شركة عائلية واحدة فقط استطاعت ان تدرج أسهمها في سوق الأسهم، لكن الحظ لم يحالف شركات أخرى، ولفت إلى أن عملية إدراج الشركات والتي تأتي لعدد من الأسباب من بينها الرغبة في التوسع والحصول على رأس مال إضافي، أو الرغبة في تحقيق شفافية أكبر من خلال دخول مساهمين جدد بنسبة قد لا تقل عن 30 في المئة، بحيث تكون معلومات الشركة مثل القوائم المالية للشركة وغيرها من الأمور متاحة أكثر، بحيث يمكن أن تشكل الشركة فرصة استثمار لشركات أخرى من خلال عمليات الاندماج أو الاستحواذ، كما يعني أن تكون من شأن الشركة مساهمة استقطاب كوادر إدارية وخبرات جديدة للشركة.
مشاركة :