لا يخفى أن مسألة الكتب والمكتبات حقيقة أصلية في العلم والثقافة، والتسليم بهذه الحقيقة من الإيمان بها، وتاريخ الفكر الإسلامي انطوى على المعارف والعلوم الجليلة والعظيمة، فالفرد المثقف يربو في جماعة ذات ثقافة عالية تحافظ على الموروث المتطابق من الحكمة والشريعة وحدود المقاصد بين العقل والنقل. بينما نجد في المكتبات اليوم العامل الرأسمالي كسلطة عليا على باقي الأهداف، ثم يأتي بعد ذلك تلبية احتياجات الناس التعليمية والمنهجية وجزء يسير من الثقافية، إنه مستوى يفتقد إلى مساءلة الحجة عن أهداف ودواعي هذه المنشأة الزاخرة بالكتب المتكررة والأدوات والألوان الزاهية. غير أن التوازن في العرض يأتي لتعزيز أهمية الكتاب الذي يرقى إليه السؤال، لماذا تلك المعروضات فقيرة المحتوى تضلع إلى هيئة فارغة؟ وتلوذ بالاصطفاف الأنيق من حيث شكله وليس مادته. إن الكتب صنعت فروقاً كبيرة في حياة الأمم ولكن كتبنا لا تشاطر إلا حياة مختلفة غير مترابطة مع العصر الحديث أو القديم، وأغلب مؤلفيها تراجعوا عن قناعاتهم بعدما اكتشفوا أن العلامات التي رسموها غير مرتبطة بالزمن، وبينها وبين المسائل البديهية والمذهب والمنهج، والمعلومة الصحيحة خلط لا يتساوى بين الرأي والقول وحقيقة نفي فقط، لم تبلغ درجة الإبداع الحقيقي، من أجل ذلك التصنيف لابد من مواجهه تحدد المساءلة، وتطرح أسباب جمود الفكر والاعتماد الكلي على النتاج الغربي، وقال علي حرب: (لعل العقل العربي لم يبلغ بعد مرحلة التجلي والإشراق والتجديد في الرؤية الأصلية، وليس هو في الأغلب أكثر من أيديولوجيا)، فالإسهام في خدمة المجتمع يكاد يكون مفقودا، والأهداف والبنود التي سجلتها المكتبات في المدن الكبيرة، لم نلمس أي دور لها، إضافة إلى عدم وجود التنويع المطلوب في المراجع الأجنبية سواء كانت عربية أو غربية. ومن هذا التركيب كلنا نعرف أن المناخ المثالي هو الذي جعل الغذاء الفكري يساوي السكن والغذاء، فمهما كان التعديل والتغيير إلا أن الاصطفاء في العلاقات الفكرية والبيولوجية سمة مدروسة، تظهر بامتياز الترابط بين الفرد والفكر لأن الروح خُلقت قبل الجسد فغذوا أرواحكم بالعلم قبل الأجساد، واتركوا التصور الذي سلب أكثر الموارد العلمية والثقافية وأوهن القيمة الفعلية للعلوم، ودون شك هناك ثلة من الناس تمتاز بالاستيلاء على كل شيء، ولها نفس الحصص في جميع المجالات، الإعلام، المكتبات، الشركات، والمؤسسات. ولقد كانت هذه الأجزاء من الحياة مدار جدل بين المؤلف والناشر والمكتبة والتاجر والمستهلك، مع غض الطرف عن مشروع العلم الإدراكي وتوظيف الجهود التي تنذر بمستقبل مشرق، ومناقشة الأزمة في النصوص العربية، وقدرة المكتبات المتواضعة التي لا تستطيع توفير أغلب المراجع العلمية لذا أردنا الخروج من هذه الحالة التي تواجه الباحث والمثقف في نطاق محلي بدلا من البحث في مكتبات بلدان أخرى، إننا لا نندهش بالعودة إلى الخلف كلما فشل سعينا، بل نحرر الحقائق ونعيد تأكيد استمرارها، ولاشيء يشير إلى فكرة غائبة تسترعي الانتباه، وتعمل على تقديم الكيفية التي تظهر التضاد وتيسر الابتكار، لأن الحجج التي تم تبادلها لم تصب الهدف.
مشاركة :