ترامب صانع الرايخ الأميركي الجديد بقلم: طارق القيزاني

  • 5/30/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قمة السبع الكبار تثبتث أن عناصر التباعد بين الأوروبيين والإدارة الأميركية الجديدة أكثر بكثير من عناصر التوافق.العرب طارق القيزاني [نُشر في 2017/05/30، العدد: 10648، ص(7)] ليست سحنة دونالد ترامب وحدها ما أحدث اختلافا في القصر البيضاوي منذ صعوده إلى الحكم. فمنذ عقود طويلة لم يحفل منصب الرئاسة في الولايات المتحدة بمثل هذا الاندفاع الخطابي غير محسوب العواقب. فترامب بدا للكثيرين يتحدث وكأنه أحد صناع “الرايخ الأميركي” الجديد بهيئة لا تخلو من الميل إلى القوة والاستعراض والاستعلاء. الشيء الواضح في مواهب الرئيس الأميركي حتى الآن أنه يتقن في ما يبدو الأسلوب المباشر والتصادمي حتى مع الشركاء التقليديين، وهو علاوة على ذلك لا يتورع في طرح كل أوراقه على الطاولة من دون مواربة. وهذا بحد ذاته يمثل مشكلة بالنسبة إلى الحلفاء الأوروبيين في المقام الأول ويحدث ارتباكا في صفوفهم بشأن مستقبل التعاون مع زعيم جوقة شعبوية. كانت مدينة تاورمينا بجزيرة صقلية الإيطالية الحلبة المناسبة حتى يثبت ترامب أثناء قمة السبع الكبار نواياه التي كشف عن بعضها في حملاته الانتخابية ومن بينها الاتجاه نحو عدة مراجعات في السياسة الخارجية. هل معنى ذلك العودة الأميركية إلى مبدأ مونرو، ولو بنفس جديد؟ إذا كانت الفكرة الأساسية للمبدأ الذي ساد بداية في القرن التاسع عشر مع الرئيس الأميركي جيمس مونرو تقوم على تحييد القوى الاستعمارية الأوروبية من أي خطط توسعية جديدة في مناطق الأميركيتين، فإن هذا المبدأ في جوهره لا يختلف عما تصبو إليه إدارة ترامب اليوم من رسم مسافات أوسع تجاه الأوروبيين وهو ما يعلنه مستشارو الرئيس على الملء بطريقة أو بأخرى. صحيح أن الإدارة الأميركية نجحت على مدى عقود في تطويع هذا المبدأ صعودا ونزولا ولكن لم يؤثر ذلك على ارتباطها الوثيق مع شركائها الأوروبيين وبخاصة في المسائل الأمنية. لكن اليوم يبدو واضحا أن تحرك الإدارة الأميركية قائم أكثر على حسابات الربح والخسارة بالنسبة إلى الأميركيين، وهي إحدى الأوراق التي طالما شكلت محور تعهداته الشعبوية في الحملة الانتخابية. في خطابات الرئيس الأميركي، وآخرها في قمة السبع، لم تخل تلميحاته من الغمز تجاه الاقتصادات الأوروبية وفي مقدمتهم فرنسا وألمانيا بخصوص العلاقات التجارية، والمراجعات المتوقعة لتلافي العجز التجاري مع عدد من الدول الأوروبية الأمر الذي قد يجر إلى ضرب حرية التجارة العالمية. أثبتت القمة أن عناصر التباعد بين الأوروبيين والإدارة الأميركية الجديدة أكثر بكثير من عناصر التوافق. بخلاف الإجماع الدولي حول القضايا المرتبطة بمكافحة الإرهاب، لم تخرج القمة بأي اتفاق جدي خاصة فيما يرتبط بملف اللاجئين والهجرة السرية في حوض المتوسط والعلاقات مع روسيا في ما يتعلق بمستقبل النزاع في سوريا. بينما استمر الخلاف أكثر من ذي قبل بشأن ملف تغير المناخ والتحفظ الأميركي المعلن حول تجديد الالتزام باتفاقية باريس للحد من الاحتباس الحراري. على العكس من ذلك فإن ما لمسه الأوروبيون بشكل واضح في الموقف الأميركي، خلال القمة، هو ميل أكثر إلى الحمائية التجارية والمصلحة الوطنية والتحفز نحو مراجعة القيم الأطلسية المشتركة. وربما التعهد الوحيد الذي سعى إلى أن يكرره ترامب في أكثر من مناسبة هو تركيزه المطلق على حل مشكلة كوريا الشمالية. ولكن هذا التعهد كذلك ينطلق من أولوية حماية الأمن القومي الأميركي في وجه الصواريخ الكورية بعيدة المدى وترسانتها النووية. عدى ذلك فإنه بالنسبة إلى ألمانيا وشركائها في الاتحاد الأوروبي فإن ما فعله دونالد ترامب الآن من الممكن أن يعني جرس إيقاظ للأوروبيين. يأتي هذا على لسان رئيس مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن، في أعقاب الكلام المثير للجدل الذي أطلقه ترامب بشأن مستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وما إذا كان من الأجدى الاستمرار في التعاون على قاعدة الإسهامات المالية الحالية للدول الأعضاء. وهذه أحد أخطر الملفات التي تطرح منذ صعود ترامب إلى الحكم. من الواضح أن فشل قمة السبع قد يؤشر على بدء حقبة من العلاقات المضطربة على ضفتي الأطلسي ولكنه قد يسهم في الآن نفسه في دفع الأوروبيين بسرعة أكبر إلى تجاوز مخلفات “البريكست” والعمل أكثر من أي وقت مضى على تعزيز الاندماج خاصة في السياسة الخارجية. سيكون هذا أفضل على خطة “مونرو الجديدة” لترامب. صحافي تونسيطارق القيزاني

مشاركة :