المخاوف باتت منصبة على إمكانية إحجام المؤسسات المالية الدولية عن إقراض تونس، بسبب بطء نسق الإصلاحات في ظل نمو اقتصادي ضعيف. العربطارق القيزاني [نُشرفي2016/11/17، العدد: 10458، ص(11)] تطمح تونس من وراء المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد والاستثمار، نهاية نوفمبر، إلى تعبئة دولية لرؤوس الأموال ومشاريع الاستثمار كأحد الحلول العاجلة لإنعاش الاقتصاد المتهاوي. ولكن هل بذلت الديمقراطية الناشئة ما يكفي حقا لتحفيز المستثمرين؟ سيكون المؤتمر، من دون شك، بمثابة الفرصة الأخيرة لأنها المحاولة الثالثة من نوعها التي تدفع بها تونس من أجل تعبئة دولية، بعد مناشدتها المجتمع الدولي في قمة مجموعة الدول الثماني عام 2011، ومن ثم مؤتمر حكومة المهدي جمعة المؤقتة عام 2014 للاستثمار في الديمقراطية الناشئة. فمع كل حملات التسويق التي رافقت تلك الدعوات، فإنه لم يكن لها أيّ أثر لاحق في منح دفعة للاستثمار. وثمة أسباب وجيهة خلف ذلك؛ فبلا شك، فقدت تونس، على مدى السنوات الأخيرة، الكثير من الزخم وعناصر الجذب للاستثمار الخارجي، نتيجة لعوامل أمنية وتبعات المرحلة الانتقالية التي أدّت، بشكل أساسي، إلى تراخي الدولة وسلطة القانون وتعميم الفساد. مثلا، عدا النوايا الحسنة والحرب الكلامية ضد الفساد فإن الأرقام حتى الآن لا تشير إلى أي نقطة ضوء في هذا المسار إذ أن عددا قليلا فقط من بين الآلاف من ملفات الفساد المعروضة على القضاء وجد طريقه إلى التسوية، بينما يحول التداخل بين ما هو قضائي وسياسي ومالي دون الخوض بشفافية في أغلب باقي الملفات. وتزداد الصورة غموضا مع ترديد رئيس هيئة مكافحة الفساد بشكل علني ودون مواربة في وسائل الإعلام من أن الفساد يضرب أطنابه حتى اليوم، بعد خمس سنوات من الانتقال السياسي، داخل دوائر الحكم نفسها وأن عددا من الملفات التي تنظر فيها الهيئة، تتضمن إدانات صريحة لفاعلين في السياسة. وعموما، فإن ترتيب تونس بحسب ما تورده منظمة الشفافية الدولية في تقريرها لعام 2015، والذي يأتي في المركز 76 من بين الدول الأقل شفافية وفسادا، يحمل الكثير من الدلالات لا سيما وأنه ظل مراوحا لمكانه على مدى سنوات (المركز 79 عام 2014 والمركز 77 في 2013) ما يعكس فشل السلطة في انتهاج سياسة أكثر فعالية لمكافحة الفساد. وبالنتيجة فإن المخاوف، اليوم، باتت كلها منصبة بحسب تقدير الخبراء على إمكانية إحجام مؤسسات مالية عن إقراض تونس، بسبب بطء نسق الإصلاحات وتعثرها، من ناحية، مقابل نمو اقتصادي ضعيف وتدنّ كبير في نسب الإنتاج وتقادم البنية التحتية، من ناحية أخرى. وما يعزز تلك المخاوف علاقة شدّ الحبل بين الحكومة والنقابة المركزية القوية والممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل، وهي علاقة ظلت متأرجحة مع حكومات ما بعد الثورة منذ 2011 بسبب ثورة العمال والقطاعات المهنية على أوضاع مهينة توارثوها على مدى عقود. وعلى أيّ حال، فإنه لا يمكن تجاهل أن جزءا كبيرا من الاستقرار المنشود لضخ الاستثمارات في تونس يتوقف على إيجاد توافق داخل هذه العلاقة، مع أنها اليوم تصطدم باختبار حقيقي يرتبط بأزمة الزيادات في الأجور في القطاع العام ونوايا الحكومة بتعليقها حتى عام 2019 تحت وطأة الأزمة المالية وضغوط الجهات الدولية المانحة. وفي الواقع، فإن مؤتمر الاستثمار يأتي وسط مناخ فيه الكثير من التجاذب بين الحكومة واتحاد الشغل بشأن قانون المالية، لكونه ينطوي على إجراءات تقشفية وضريبية تطال طبقة العمال ويهدد بتفجير قلاقل اجتماعية، وهو تجاذب أخذ بعدا سياسيا داخل البرلمان مع رفض أحزاب المعارضة وحتى شق من أحزاب السلطة تمرير القانون. ويخشى في نهاية المطاف أن يتحول النقاش والتصويت على القانون بمثابة تصويت ضمني على الثقة في الحكومة لأن رفض تمريره سيعني، ولو رمزيا، فقدان الحكومة لغطائها السياسي كحكومة وحدة وطنية، ما يضع بذلك مستقبل الاستقرار السياسي برمته موضع شك. وبين ضغوط الداخل والخارج فإن شكاوى المؤسسات الاقتصادية، في تونس، لا تقل هي الأخرى عن شكاوى العمال والموظفين. فالأرقام التي أوردتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية العام الماضي تصنف تونس من بين الدول الأعلى من حيث العبء الضريبي على المؤسسة بنحو 31.3 بالمئة وهي الأعلى في إفريقيا، مقابل 28.5 في المغرب الوجهة المنافسة الأولى لتونس في المنطقة. وإذا أضفنا إلى ذلك نسبة المدفوعات البالغة نحو 60 بالمئة من أرباح المؤسسة مقابل 32 بالمئة كمعدل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن الأمر يصبح أكثر تعقيدا أمام جهود تحفيز الاستثمار الخارجي. وحتى قانون الاستثمار الجديد الذي تمّ الإعلان عنه على عجل، قبل موعد المؤتمر لتحفيز المستثمرين، فإنه لم يكشف بشكل كامل ودقيق عن المزايا المالية والضريبية، وأبقى جوانب كثيرة معلقة إلى حين صدور أوامر ترتيبية. ولكن الأزمة تبدو أعمق من مجرّد إصدار قانوني، إذ تظل هذه الخطوة فاقدة لجدواها ما لم تسرع الحكومة بمكافحة البيروقراطية وهي المعضلة الرئيسية أمام الاستثمار الخارجي إلى جانب إعادة تطوير الإدارة وتبسيط الإجراءات للمستثمرين. مع كل هذه العوامل، فإنه ليس واضحا ما إذا كان المؤتمر القادم سيكون بالفعل طوق نجاة لتونس المتعطشة للاستثمار وتدفق رؤوس الأموال، أم أنه سيكون مجرّد تسويق جديد لسياسات وخطط قديمة وعقيمة. وفي كل الأحوال، لا توجد خيارات كثيرة أمام الديمقراطية الناشئة سوى تقديم شيء مختلف ومقنع لشركائها لأن أيّ نتائج أخرى خلاف ذلك ستعجّل بدفع الفوضى إلى أول منعطف. صحافي تونسي طارق القيزاني :: مقالات أخرى لـ طارق القيزاني تحديات مؤتمر الاستثمار في تونس: النجاح أو الفوضى, 2016/11/17 متى نلحق بركب كيغالي, 2016/10/25 أرشيف الكاتب
مشاركة :