متحف البايات يضيء نافذة من تاريخ تونس الحديث بقلم: طارق القيزاني

  • 1/30/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

متحف البايات يضيء نافذة من تاريخ تونس الحديث في زمن الالتباس وإعادة طرح الأسئلة حول مفاهيم من قبيل الهوية، يقدم متحف البايات بقصر السعيد التابعة لمحافظة منوبة في تونس معرضا بعنوان صحوة أمة يعرض أعمالا بمثابة وثائق تاريخية تؤرخ للثقافة التونسية التي نهلت من التقاليد الشرقية تماما كما أخذت تعبيرات ثقافية عدة من الحداثة الأوروبية الوافدة، الأمر الذي تجسم في زخم كبير من الثقافة المادية غير المنشورة والتي تشهد على التحولات التي مرت بها تونس. العربطارق القيزاني [نُشرفي2017/01/30، العدد: 10528، ص(20)] متحف يوثق لتاريخ بداية الحماية الفرنسية تونس- فيما تغرق المدرسة في تعداد مناقب المصلح التونسي الشهير خيرالدين باشا يجول طلبتها بأنظارهم بين أروقة المتحف العتيق بقصر سعيد الذي يعود إلى حقبة حكم البايات في تونس. وتبدو صورة المصلح العملاقة بطول 275 سنتيمترا وعرض 219 سنتيمترا على جدار أزرق اللون، الأكثر جلبا للانتباه لدى زائري المتحف الواقع بجهة باردو. وتجسد الصورة المصلح خيرالدين بزيّه الرسمي المزركش على صهوة جواد ممتشقا سيفا طويلا. وهذه الصورة هي الأكثر تداولا بين المؤرخين لارتباطها بحقبة كاملة تميّزت بالإصلاحات السياسية ولكن أيضا بأحداث مفصلية في تاريخ تونس الحديث. ويقع قصر سعيد على بعد أمتار من متحف باردو الشهير ومقر البرلمان، وكان في ما مضى مقر إقامة حكام البايات. واليوم تعمل جمعية “رامبورغ” الثقافية بالتعاون مع وزارة الثقافة والمعهد الوطني للتراث على إعادة الحياة إلى القصر المهجور وتحويله إلى متحف دائم. لوحات زيتية لعلي بن غذاهم "باي الشعب" وتقول إحدى المشرفات على المعرض من جمعية رامبورغ، “نحن نخطط من أجل الإبقاء على المتحف ونقوم بترميم القصر حتى يتحول إلى معلم ثقافي مهم للتونسيين”. ويجمع متحف قصر السعيد الغارق في الصمت والألوان الخافتة أحداث التاريخ بين جنباته، حيث لا يزال يتردد بين جدرانه صدى معاهدة باردو التي وقعها في نفس القصر باي تونس مع الحكومة الفرنسية في 12 مايو من العام 1881. ومنحت المعاهدة سلطات واسعة للمقيم العام الفرنسي بتونس، ممهدة بذلك بداية الاحتلال الفرنسي الفعلي للمملكة بعد اشتداد الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد. فجر تونس يعرض المتحف ضمن احتفالية مرور 60 عاما على استقلال تونس تحت عنوان “صحوة أمة، الفن في فجر تونس الحديثة”، أكثر من 300 قطعة من المخطوطات واللوحات والوثائق النادرة والمهمة من بينها وثيقة “عهد الأمان” الذي نص على المساواة بين المسلمين وغير المسلمين أمام القضاء (1857) ودستور (1861) وهو الأول في العالم الإسلامي والعربي في تلك الفترة. وتركز المخطوطات والصور والكتب المعروضة في المتحف على تلك الفترات بداية من العام 1837 وحتى العام 1881، تاريخ بداية الحماية الفرنسية على تونس وهي بداية فترة الاستعمار التي تواصلت حتى العام 1956، وهي المرحلة التي قاد فيها خيرالدين باشا مرحلة متقدمة من الإصلاحات في فترة حكم العائلة، وتحديدا في فترات حكم أحمد باي ومحمد باي ومحمد الصادق باي على التوالي. ومن بين المعروضات قطع ملفتة للنظر بعضها استثنائي على غرار قطعة أنسجة غوبلان ولوحات تعرض لأول مرة، وتمثال يظهر لويس فيليب إلى جانب لوحة بورتريه لجورج واشنطن، إضافة إلى ميداليات وكراسي العرش التي تشهد على غنى الثقافة التونسية وانفتاحها من جهة وعلى نشاطها الدبلوماسي في تلك الفترة من جهة ثانية. ويقول مفوض المعرض والخبير في تاريخ الفن رضا مومني “صحوة أمة هي حدث فريد من نوعه يبسط سياق وآليات بناء الدولة التونسية الحديثة عبر مرحلة مفصلية من تاريخها وغير معروفة بشكل جيد، وهي فترة الإصلاحات الكبرى”. المؤرخون يعتبرون وثيقة عهد الأمان ودستور عام 1861 وأفكار خيرالدين باشا، مراجع أساسية لبروز النخبة المعارضة للحكم الفرنسي في بدايات القرن العشرين ويشدد مومني على أهمية تسليط الضوء على هذا التراث الذي نهل من المجموعات العمومية والخاصة من أجل “مزاياه الفنية وأيضا دلالات الهوية التي يحملها في سياق ما بعد الثورة”. ومن الناحية الفنية تشهد الأعمال المختارة على تطور كبير في الذوق في مجالات الهندسة المعمارية والأثاث والملابس والفنون الجميلة، حيث يبدو حضور التأثير الأجنبي حاضرا بل وطاغيا في أغلب الأحيان. وتم تجميع هذه المعروضات بطريقة التمكين والوضع على الذمة إلى حين انتهاء مدة العرض وذلك من قبل عدة جهات وأطراف منها المعهد الوطني للتراث، ومتحف باردو، والأرشيف الوطني في تونس، والمكتبة الوطنية، ومتحف “للة حضرية”، والمتحف الوطني العسكري، وقصر الوردة، ومدينة مارسيليا، وإدارة المكتبات صناديق التراث، ووزارة الشؤون الثقافية، بالإضافة إلى عدد من المجموعات الخاصة. ويقول القائمون على المتحف إن المعرض يهدف، علاوة على إعادة الحياة إلى القصر، إلى رفع النقاب عن حقبة تاريخية ظلت غامضة وغير معروفة في العديد من فتراتها لدى التونسيين. ويوضح فتحي البحري، المدير العام للمعهد الوطني للتراث، أن “عهد الإصلاحات الكبرى في القرن التاسع عشر يدرس اليوم في المناهج، وهو مصدر فخر في تونس لكنه أهمل بعض الشيء أو كانت ثمة محاولات لمحوه وإن كانت بطريقة غير واعية لأن المنتصر هو عادة من يكتب التاريخ والجمهورية هي التي انتصرت على الملكية”. رفع الغموض عن حقبة تاريخية هامة وأضاف، “نحن نعيد تشكيل الجمهورية، ومجتمعنا منقسم بين محدثين وتقليديين. علينا أن نتعلم من عيوب تلك المرحلة لتحسين أنفسنا”. ويضم المتحف في أحد أجنحته أسلحة حربية قديمة تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر وكتابا للرياضيات العسكرية وعددا من البزات الرسمية متنوعة الألوان برتب عسكرية مختلفة، من فريق وأمير لواء والباش شاطر. إصلاحات تمثل الإصلاحات التي أدخلت على المؤسسة العسكرية والتي تميزت خاصة ببناء الجيش النظامي وتشييد مدرسة باردو الحربية على النمط الأوروبي عام 1840، بشكل عام، أحد أبرز التحولات التي عرفتها المملكة على طريق الحداثة ودولة المؤسسات. وفي إحدى زوايا المتحف تبرز لوحة كبيرة تجسد استعراضا عسكريا لكتيبة من الجيش التونسي تستعد للسفر إلى تركيا للمشاركة في حرب القرم إلى جانب الجيوش العثمانية وجيوش التحالف ضد الإمبراطورية الروسية. وكانت الحرب الشهيرة قد اندلعت في أكتوبر من العام 1853 واستمرت حتى العام 1856. وكان تعداد الجيش التونسي قرابة 10 آلاف عنصر أرسلهم باي تونس على ثلاث دفعات بطلب من السلطان العثماني. وبحسب تفسير المؤرخين، فإن قرار باي تونس المشاركة في الحرب كان الهدف منه استعراض قوة جيشه أمام الفرنسيين الذين كانوا قد احتلوا الجزائر في العام 1830، وذلك بغرض إظهار قدرة تونس على الردع وامتلاكها جيشا عصريا قادرا على الدفاع عنها في حال تمادت الأطماع الفرنسية وأرادت احتلال تونس. وفي زاوية أخرى من المتحف يوثق المعرض أيضا لأكثر الفترات التاريخية خطورة التي شهدتها تونس زمن الصحوة والإصلاحات، متمثلة في انتفاضة القبائل ضد السياسات الضريبية والفساد عام 1864، والتي هددت بتقويض المملكة ونسف مكاسب الحداثة التي حققتها. وتروي الوثائق الملحقة باللوحات الزيتية أن الثورة، التي قادها القائد علي بن غذاهم الملقب بـ”باي الشعب”، نجحت في أن تهدد أركان العرش بعد أن تقلص نطاق نفوذه ليشمل العاصمة وأحوازها فقط، لكن الباي تمكن في نهاية المطاف من قمع الثورة بدموية واعتقال بن غذاهم ليموت في السجن عام 1867. تشكل الحادثة بداية أفول عصر الإصلاحات التي تزامنت لاحقا مع تدشين الحقبة الاستعمارية. لكن المؤرخين يعدون وثيقة عهد الأمان ودستور عام 1861 وأفكار خيرالدين باشا مراجع أساسية لبروز النخبة المعارضة للحكم الفرنسي في بدايات القرن العشرين. والأهم من ذلك أنها شكلت النواة الأولى لنهاية حكم العائلة الحسينية والانتقال إلى النظام الجمهوري بعد عام واحد من استقلال تونس وإعلان سقوط الملكية. :: اقرأ أيضاً تقنيات الواقع الافتراضي: بساط ريح يقرب الواقع ويثري الحياة

مشاركة :