القضاء والسياسة بين الأمس واليوم (2 - 2) - مقالات

  • 6/2/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

توسع القضاء في الدولة العثمانية وأثره:ففي سنة 1273 هـ، أي في منتصف القرن السابع عشر الميلادي تقريباً وبعد بروز عهد التنظيمات، بدأ التأثر يظهر في قضاء الدولة العثمانية من خلال ما اقتبسه من الغرب فظهر «النظام القضائي المدني»، وأنشئت المحاكم النظامية، حيث اضطرت الدولة إلى تحديد صلاحيات النظام القضائي الشرعي والمدني.وتشعب النظام القضائي المدني إلى إقامة دواوين تمييز في مختلف الولايات، ويتولى رئاسة كل ديوان مفتش، ويتألف الديوان من ستة أعضاء، ثلاثة مسلمين وثلاثة غير مسلمين باسم «مميزين»، كما أنشئت مجالس التجارة للنظر في الأمور التجارية فقط، بعيداً عن مراعاة أحكام الشريعة!وترفع أحكام الدعاوى التي يفصل فيها ديوان التمييز إلى الوالي، فيصدق على ما يكون ضمن اختصاصه وإلا رفع الأحكام إلى عاصمة الخلافة للبت فيها.كما برزت فكرة تقنين الشريعة حيث تمثل بصورة إصدار مجلة الأحكام العدلية على شكل مواد قانونية، وإن كان أصل هذه الفكرة ظهر أيام أبي جعفر المنصور حين أراد حمل الناس على موطأ الإمام مالك، إلا أن الفكرة لم تنجح.وزاد من فكرة الحاجة إلى تقنين الأحكام الشرعية، الواقع الأليم للأمة الإسلامية حيث سيطر عليها فكر التقليد والجمود والعزوف عن فهم الواقع والاستنباط اللازمين للقضاء فرأت الدولة العثمانية تحقيق فكرة التقنين، حيث قام بتحريرها جماعة من العلماء المحققين والفقهاء المدققين، وبعدها عرضت على الباب العالي حيث استحسنها فصدرت بالإدارة السنية لتكون دستوراً للعمل بها.قصور منهج مجلة الأحكام العدلية:إخراج قانون المعاملات المدنية مقتبس من الفقه الإسلامي في أواخر عهد الدولة العثمانية، حيث حصلت تحولات كبيرة في العالم واستحدثت مسائل جديدة في الاحكام والاقتصاد والطب والسياسة لم يواكبها الفقه الجامد في ذلك الحين. التقيد بالمذهب الحنفي فقط، حيث لم يستوعب المذهب كلف المستجدات.مراعاة مصالح الناس وروح العصر من دون اعتبار للأدلة الشرعية.عدم التقيد بالرأي الراجح في المذهب الحنفي في كثير من المسائل.الأخذ ببعض الأقوال المرجوحة في المذهب للمصلحة الزمنية التي اقتضتها، وهذه المصلحة ليس لها اعتبار اذا ما طبقنا عليها شروط المصلحة المعتبرة في علم الاصول.توسع دائرة القضاء حديثاً:أقيمت محاكم عدة حددت مهامها بالنظر في قضايا معينة وأصبحت لها صفة الاختصاص، ومنها: المحاكم العسكرية للفصل في ما يقع بين الجنود من الجرائم. ومحكمة أمن الدولة وتنظر في القضايا التي تهدد استقرارها وتزعزع كيانها. وكذلك المحاكم المستعجلة المتنوعة والعادية، ومثلها المحاكم الدولية والعالمية مثل محكمة العدل التي تنظر في قضايا الشعوب، وكذلك مجلس الأمن الدولي المختص بفض المنازعات بين الدول، وما تفرع عن هيئة الأمم المتحدة من محاكم لها صفة الاختصاص.قال ابن القيم، رحمه الله: «فعموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف، وليس لذلك حد في الشرع يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف، فقد يدخل في ولاية القضاء - في بعض الأزمنة والأمكنة - ما يدخل في ولاية الحرب، في زمان ومكان آخر، وبالعكس وكذلك الحسبة وولاية المال».وهذا مبدأ تؤيده القواعد الشرعية في السياسة الشرعية، وكذلك قواعد الشريعة العامة، حيث دلل على ذلك ابن القيم رحمه الله بقوله «يستحدث للناس من اقضية بحسب ما احدثوا من فجور».القضاء بعد ثورات الربيع العربي:ثورات الربيع العربي المزعوم، اثرت في مجرى القضاء وآلياته ومسائله وأحكامه، وإن كانت السمة الغالبة في دول ثورات الربيع العربي، هي بحث مسائل الدستور والرئاسة والانتخاب وغيرها في أجواء استثنائية ظهرت فيها محاور الاستقطاب العالمي واضحة في الجدل المثار داخلياً وخارجياً حول مفهوم الحريات والحقوق وحول مواد الهوية ودين الدولة، الأمر الذي يلقي ظلالاً من الريبة والشك في مدى استقرار هذه الأحكام، ومدى شمولها وتجردها وشفافيتها، كما يعكس مقدار الجهل والتخلف الذي ران على قلوب المسلمين حتى وصل إلى بعض المفكرين والسياسيين ورجال القضاء، وهذا ما يوضح الفرق في القضاء النزيه بين الأمس واليوم.

مشاركة :