من الكهف إلى المنيا بقلم: عدلي صادق

  • 6/4/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تحاشيت التدخل في الشؤون الداخلية للحركات “الجهادية” أو في استراتيجياتها، لكنني استأذنت للدخول في الشؤون البيئية، وقلت إن قطع الصابون الضخمة، تُباع في أسواق بيشاور المجاورة بسعر التراب، وإن النظافة من الإيمان.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/06/04، العدد: 10653، ص(24)] في العام 1996 أجرى صديقي الأثير، مقابلة صحافية مع أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم "القاعدة"، وعُرضت في مقدمة الحوار، صورة قلميّة لمشهد جبلي وعر، يحتضن الكهف الذي أجري فيه ذلك اللقاء في فصل الشتاء. وبدا بعض الصورة القلمية، مشوّقاً، لا سيما حين تخيلت صديقي طويل القامة، كيف ارتدى زيّاً أفغانياً، وتدلت قدماه على جانبي المركوب الذي كان حماراً بائساً. غير أن البعض الآخر من تلك الصورة القلمية، استفزني جداً. فقد انتقل التصوير، إلى داخل الكهف الذي جرت فيه المقابلة: حشرات زاحفة، وميل عام للظلام. أغطية المفارش والوسائد غادرت ألوانها الأولى، واكتست لوناً رمادياً يلامس السُمرة، لفرط ما تراكم عليها من قذارات الأيدي والغبار. وعندما جيء بطعام العشاء، فإذا هو شرحات من البطاطا المقلية التي دُلقت في الإناء ترشح زيتاً، لتتبدى عائمة مقززة. أما البيضتان المحضّرتان بطريقة “العيون” فقدمتا بغباء مطبخي لا نظير له، إذ جاءتا سابحتين في الزيت، مع قطعة جبن وأرغفة لا يشبه واحدها الآخر. غير أن المصيبة جاءت عند وصف قضاء الحاجة، تبولاً أو تغوطاً. فما عليك، هناك، إلا أن تبتعد أمتاراً عن فم الكهف، حتى يسترك الظلام (ولا علم لنا بكيفية التستر في النهار) فتقضي حاجتك، ثم تتناول حجراً يتكفل بمعظم نظافة المخارج. ولا ندري إن كان ثمة إبريق صغير وماء قليل، لتحسين “الوضع”. عند هذه النقطة الأخيرة، جُنّ جنوني، وأحسست لو الجنة والقدس، ستكونان في متناول يدي، مقابل الاضطرار يومياً للقنبزة وقضاء الحاجة في الظلمة، والاعتماد على حجر، وربما التعثر في حجر آخر أكبر منه؛ فإنني سأخلع من المكان، حتى ولو ضاع الفردوس وتعثر التحرير، فالموت أيسر! تحاشيت التدخل في الشؤون الداخلية للحركات “الجهادية” أو في استراتيجياتها، لكنني استأذنت للدخول في الشؤون البيئية، وقلت إن قطع الصابون الضخمة، تُباع في أسواق بيشاور المجاورة بسعر التراب، وإن النظافة من الإيمان. فأخونا ناصر البحري “أبو جندل” الحارس الشخصي لأسامة، لا يعد الليالي ولا النهارات المتصلة، التي يقبع فيها بلا عمل، فما المانع، أن يمتثل للحافز الإيماني فيراعي النظافة، ويغسل أغطية المفارش ويرش الحشرات؟!. ولماذا يؤتى بالزيت مع شرحات البطاطا والبيضتين؟! أما عن قضاء الحاجة، ثم تلقيم المخارج بالحجارة، فهو الذي فسّر لي منذ سنوات، سبب تلقيم الرصاص وشظايا المفخخات، لأفواه الأبرياء. ظل القرف من هؤلاء يلازمني منذ حكاية الكهف، وصولاً إلى حكاية ضحايا المنيا في صعيد مصر! عدلي صادق

مشاركة :