خلال تجربتي الحديثة في الكتابة كانت الأزمة الخليجية الأخيرة من أصعب المحطات التي من الممكن أن تكون الكتابة فيها أسوأ من الصمت.أحياناً تكون الكتابة أسوأ من الصمت، والصمت الأدبي هو حالة مرور على أزمة اختار الكاتب فيها أن يصمت بدلاً من أن يكتب.الصمت هنا خيار واعٍ، وليس كتابة لمجرد الكتابة، أو كلاماً لمجرد الكلام. فليس كل الكلام من ذهب ، ولا كل ساكت شيطان أخرس، فكما تأخذ السكتة في الموسيقى معناها من أصناف ما يجاورها من ألحان، فالصمت في الكتابة يأخذ معناه عندما يختار الصمت بشكل حر غير مجبور عليه.ليس كلامي هنا عن مدرسة الكاتب الملتزم التي يشير لها سارتر دائماً، بقدر ما أحاول أن أشير بكلتا يدي إلى أهمية إدراك الكاتب في الأبعاد التي يكتب فيها، وحول أهمية فكرة أن كلمة السر في التناغم وليس في الحرية.شكراً لكل الكُتّاب الذين عبّروا عن رأيهم بالحكمة وليس التأجيج، بالوحدة وليس التفرقة، الذين حتى في انحيازهم للرأي السياسي لدولهم عبروا بشكل يليق بحجم المشكلة وأبعادها وأهمية الاحتواء وليس التأزيم... شكرا لكل الذين احترموا وجهات النظر حتى وإن خالفوها، وشكراً أيضاً لكل الذين التزموا مواقف دولهم ورغم ذلك عبروا بأرائهم دون تجريح أو إسفاف لم نعتدْ عليه في الخليج تجاه الكيانات السياسية.شكراً لكل الشعوب الخليجية التي التزمت الوحدة على المستوى الشعبي، وأبدت التزاماً بكل الشعارات والصور والرسائل والأغاني والمؤتمرات والتصاريح التي كانت تقول لنا (نحن شعب واحد من شمال الخليج إلى جنوبه).وسحقاً لحرية النشر إذا كانت غير واعية.. ناصبة خاطئة.المناطق الرمادية كثيرة في القضايا السياسية، لذلك يكثر التقلب فيها وتبهت الألوان ... ولطالما كنت أندم بعد كل مقال سياسي صرف أكتبه للقراء لسببين:الأول: أن للسياسة رجالها، والكتابة السياسية تحتاج دراية ومتابعة وعملية استقراء طويلة من الذين مارسوا الشأن السياسي ورغم ذلك فغالباً تخرج استقراءاتهم في شكل ظنون وليس حقائق.الثاني: أعتقد أن من حق الشباب تحديداً أن يتقلبوا بين الآراء السياسية وأن يراجعوا أنفسهم باستمرار ولكن عليهم أن يكونوا حذرين عند النشر لأن الكلمة شهادة.لا شك أن وعينا قد تغير كثيراً بعد أحداث الربيع العربي والذي تحول إلى خريف دموي أمام أعيننا، والكثير منا تعلم أن الجميع يريد أن يضع باقة ورد على قبرك ليخدم أجنداته بينما وطنك فقط هو مَنْ يحاول أن يعطيك وردة في حياتك.. وكل الذين استصغروا الوردة في حياتهم لعنوا الباقة عندما رأوها على قبور أصدقائهم.ربما يخرج لنا من بين القراء من يتهم أصحاب وجهة نظر التهدئة أو الصمت تجاه الأحداث الخليجية الأخيرة بأنه من الإخوان المسلمين أو داعم لهم... ولكن صدقوني أعرف الكثير من الكتاب الذين يقولون في الإخوان المسلمين ما لم يقله الحطيئة في الزبرقان بن بدر ورغم ذلك فقد فضلوا الصمت والتهدئة.أو لعله يخرج كاتب يعتقد أن حرية الكتابة هي أن تكتب أي هراء معتبراً إياه حرية تعبير ونشر، ولكنه في الواقع حرية تشهير وشر، وغرس معاني العداء والكراهية بين الشعوب العربية والخليجية.إنني لا أدعو الكُتّاب إلى مواقف رمادية ومناطق بلا لون.. بل ليكن لكل منا رأيه سواء المؤيد أو المعارض، ولكن متى ما قررت أن تكتب فعليك أن تكتب بعيداً عن شهوة الخلد والملك خصوصاً أن الموضوع أكبر منك وأنت لست أقل شأناً من أن تكتب.. ولكن فلتقل خيراً باحترام أو لتصمت، فما عدنا نتحمل جرحاً جديداً.كاتب كويتيmoh1alatwan@
مشاركة :