في يوم الاثنين من الاسبوع الماضي، قطعت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية علاقاتها الديبلوماسية مع دولة قطر. وبذلك تكون هذه الأزمة الأسوأ بين دول مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيس المجلس في عام 1981.تفاجأت كما تفاجأ غيري من التصعيد الخطير بين الأشقاء، رغم أن الخبير الاستراتيجي اللواء متقاعد الدكتور يوسف الملا، ابلغني أنه يرى أن الامور كانت متجهة نحو قطع العلاقات في الليلة التي سبقت الاعلان عن المقاطعة. وبصرف النظر عن مدى اطمئناني لدقة تحليلات بو عبدالرزاق، بناء على تجارب سابقة، لم أكن أتوقع أن تتسع المقاطعة إلى الدرجة التي أعلن عنها.في الجهة المقابلة، لم يكن مفاجئاً لي، ولا لأي شخص كويتي أو خليجي أو شرق أوسطي، الموقف الانساني لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح - حفظه الله ورعاه - الذي تبنى من خلاله مشروع مصالحة خليجية لمنع تعمق الصدع أكثر، ومن ثم ردمه بالسرعة الممكنة لتفادي ما لا تحمد عقباه على المنطقة بأسرها. ولم أستغرب عندما قرأت في موقع قناة روسيا اليوم تصريحا لسموه جاء فيه أنه لن يبخل بصحته في سبيل إعادة اللحمة الخليجية.بالرغم من أن الكثير من المحللين السياسيين البارزين كانوا قد استبعدوا نجاح المهمة السامية عند الاعلان عنها، إلا أن البوادر بدأت ترجح فرص نجاحها، خاصة بعد اعلان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن دعمهما لجهود الوساطة الكويتية، حيث أعرب وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عن دعم واشنطن للوساطة الكويتية لأجل حل الأزمة التي تعرقل التجارة الأميركية والأعمال العسكرية الأميركية في حربها ضد تنظيم «داعش» الإرهابي. كما صرحت الناطقة باسم مفوضة الاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية فيديريكا موغريني، بأنه يتعين على دول الخليج أن تعي ان ما يقع في منطقة الخليج يؤثر على سائر العالم، ولذلك أعلنت دعم الاتحاد الأوروبي لجهود الوساطة الكويتية.في مقابل تخوف الاتحاد الأوروبي من تبعات الأزمة الخليجية على العالم، إلا أننا نجد أن مجلس الأمة في الكويت، الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي اختتم أعمال دور الانعقاد الأول من دون تخصيص جلسة لدراسة الأزمة. وكذلك يستبعد أن يعقد البرلمان جلسة طارئة حول الأزمة خلال فترة اجازته الصيفية.رغم قناعتي الشخصية بأن المجلس يجب أن يلعب دوراً محورياً موازياً لجهود سمو الأمير لاحتواء الأزمة، إلا أنني في الوقت ذاته أتفهم مبررات تجنبه ذلك الدور، حيث إنه ضحية الثقافة السياسية التي ابتدعتها الحكومة ورسختها في المجتمع، إبان «الربيع العربي» في الكويت، من أجل كبح التصريحات المتكررة - من قبل بعض نواب المجالس السابقة - المعادية للدول الشقيقة والصديقة، حيث لجأت الحكومة وبمباركة العديد من أعضاء مجلس الأمة - في حينه - إلى تقييد الدور الدستوري للبرلمان في الشؤون الخارجية.كنت أتمنى أن يعقد البرلمان جلسة خاصة لدراسة الأزمة الخليجية ورفع توصياته إلى الحكومة، وتحديدا إلى وزارة الخارجية، يدعو من خلالها دول مجلس التعاون إلى تطبيق النظام الأساسي للمجلس، وبالأخص المادة العاشرة منه التي جاء فيها «يكون لمجلس التعاون هيئة تسمى (هيئة تسوية المنازعات) وتتبع المجلس الأعلى»، وأيضا «يتولى المجلس الأعلى تشكيل الهيئة في كل حالة على حدة بحسب طبيعة الخلاف».نعم، علينا كأعضاء مجلس التعاون الخليجي أن نلتزم بالآلية التي توافقنا على تبنيها عند حدوث خلافات بيننا. وكان يفترض من مجالس الأمة السابقة أن تطالب الحكومة بتبني الآلية نفسها لتسوية منازعاتنا مع بعض أشقائنا، من أجل تعزيز الاستقرار الخليجي، وترسيخ أمننا الوطني الشامل. فظهور المنازعات بين الدول أمر طبيعي، حتى بين المتقدمة منها كالأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتسويتها بالطرق السلمية أمر صحي، يمنع تفاقمها إلى درجة مواجهات عسكرية لا يعرف مداها ولا تحمد عواقبها.الحوار الجميل الذي شاركت فيه مساء الخميس الماضي بديوان الحاج الفاضل بو فيصل، هو الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال. فمن جهة، الأزمة الخليجية كانت موضوع الحوار، ومن جهة أخرى، إدارة بو فيصل للحوار كانت بمهنية عالية تستحق الاشادة، حيث أتاح المجال لطرح الآراء المتضادة والتعقيب عليها في جو أخوي من دون تحيز. وقناعتي باستحقاق بو فيصل للثناء تعززت بعد مشاهدتي لكيفية إدارة أكاديمي مخضرم لحوار في ديوان آخر في مساء السبت الماضي، حيث أنهى الحوار بتعليق منه - متعلق بجزئية غير مرتبطة بمحاور الجلسة - ضد أحد خصومه الذي لم يكن متواجداً في الديوان، ثم أغلق الميكروفون ودعي الحضور إلى مائدة «الغبقة» من دون اتاحة الفرصة لمن طلب التعقيب عليه!... «اللهم أرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه».abdnakhi@yahoo.com
مشاركة :