لفتت برقية التهنئة التي أبرق بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - إلى رئيس مصر المنتخب عبدالفتاح السيسي بعد فترة وجيزة من إعلان فوزه الكاسح في الانتخابات الرئاسية أنظار العالم ، فقد كانت في واقع الأمر أكثر من برقية تهنئة ، ليس فقط بسبب خروجها عن الشكل والمضمون البروتوكولي المألوف لبرقيات التهنئة التي جرت العادة على إرسالها في مثل هذه المناسبات ، وإنما أيضًا لما تضمنته من معانٍ ودلالات تكشف عن عمق علاقات الإخوة والشراكة التي تجمع بين بلدين عربيين توأمين تجمعهما علاقة متفردة وشراكة غير تقليدية ، أراد خادم الحرمين الشريفين من خلالها التأكيد على وحدة المشاعر والرؤى والمواقف بين البلدين الشقيقين ، وكأنه أراد القول إن فرحته وفرحة شعبه لا تقل عن فرحة أي مواطن مصري مخلص لوطنه محب لمصره ، وأن أمن مصر والسعودية كل لا يتجزأ ، وأن المساس بمصر ليس مساسًا بالسعودية وحسب وإنما أيضًا بالعروبة والإسلام ، وأن مصر العزيزة الحرة الأبية سند للعروبة والإسلام وهي عمود خيمة الأمن القومي العربي . عبرت البرقية أيضًا عن دلالة أخرى لا تقل أهمية: استشعار خادم الحرمين الشريفين لخطورة المرحلة، وللمسؤولية الجسيمة المناطة بالرئيس عبد الفتاح السيسي ، والتي تحتاج إلى دعم عربي شامل يعينه على تحمل أعباء هذه المرحلة وتلك المسؤولية ، فكانت مبادرته التي اتخذت الشكل الإلزامي بدعوة الأمة العربية بأسرها لدعم مصر في مرحلة النهوض وعودة الدور والمكانة والريادة عبر مؤتمر للمانحين ، فأشد ما تحتاجه مصر في هذه المرحلة الدعم والنأي عن التدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما حددته البرقية بقوله - رعاه الله - : "من لا يدعم مصر ولا يتوقف عن التدخل في شؤونها لا مكان له بيننا"، كما أن الملك عبد الله وهو يعبر عن مشاعره تجاه مصر لم ينس أن يوجه لأخيه الرئيس السيسي نصائحه الأمينة التي تعكس تجربته وخبرته الطويلة في إدارة السياسة الداخلية والخارجية لبلاده ، والصادرة من لدن ملك حكيم مخلص لوطنه محب لشعبه حريص على مصلحة أمته ، تلك الخبرة والتجربة التي حازت على إعجاب واحترام وتقدير العالم. رب سائل: هل هي مرحلة جديدة في العلاقة بين المملكة ومصر؟ وإذا كانت الإجابة بنعم ، فما هي أهم خصائص وآفاق تلك المرحلة؟. الإجابة بالفعل : نعم !.. هي مرحلة جديدة في العلاقات بين بلدين وضعتهما الأقدار معًا في مواجهة تحديات من نوع جديد تزداد خطورة بشكل متزايد وتتطلب إجراءات وخططاً عاجلة ليس لإنقاذ مصر ، وإنما إنقاذ الأمة العربية بأسرها من الانزلاق إلى هاوية الفتن والحروب الأهلية والانقسام ، وما نشهده الآن في سوريا والعراق وليبيا واليمن ليس سوى بعض جزئيات هذا المشهد المخيف. كان مثلث الأمن العربي يتكامل بأضلاعه الثلاثة : مصر وسوريا والسعودية عبر معادلة ظلت متوازنة حتى عهد قريب : لا حرب بدون مصر- لا سلم بدون سوريا - لا تطبيع بدون السعودية. بعد انكسار الضلع السوري بسبب الانهيار الذي ألحقه السفاح بشار الأسد بهذا القطر العربي الشقيق ، أصبح يتعين على المملكة ومصر تعويض الضلع المفقود معًا حتى تظل معادلة الأمن القومي العربي متوازنة ، وهو ما يعني المزيد من الشراكة والتعاون والتنسيق بين القاهرة والرياض ، تأكيدًا للحقيقة الإستراتيجية : أمن واستقرار مصر والمملكة يعني أيضًا أمن واستقرار الدول العربية قاطبة .
مشاركة :