بين النّقد والإهانة وتكميم الأفواه

  • 6/17/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في سابقة قد تبدو من المفارقات في زمن التواصل الاجتماعي المفتوح عبر شبكات تداول المعلومات في فترة ما بعد الربيع العربي الذي أثّر بشكل لا يمكن إنكاره على حرية الرأي والتعبير في عالمنا العربي، حتى على الدول التي لم يزُرها هذا الربيع المستمر، رغم غيوم الصيف التي تحجب شمسه، تلجأ السلطات الجزائرية على نحو متزايد إلى التضييق ومن ثمّ المحاكمات الجنائية ضد المدوّنين والصحفيين والإعلاميين، بسبب ممارستهم حقهم في التعبير السّلمي. ومن أشهر تلك المواد المستخدمة لقمع المدونين والصحفيين مادة إهانة الرئيس، أو أحد مسؤولي الدولة، ولم يكن الإعلاميون والمدونون والصحفيون فقط هم هدف السلطات في قمع حرية الرأي في الجزائر، وإنما النشطاء النقابيون أيضاً كانوا هدفاً لتلك الحملة، على الرغم من أن التعديلات الدستورية الأخيرة التي جرت في عام 2016 قد شملت الاعتراف بالحرية الأكاديمية وحرية الصحافة دون رقابة مسبقة ودون عقوبة السجن لجرائم الصحافة. ومع ذلك، يربط الدستور ممارسة هذه الحقوق وغيرها بالقوانين الوطنية التي تحدّ منها بشكل كبير والتي تستخدم كذريعة لتكميم الأفواه. وإن كنا مع احترام الشخصيات وضد إهانة الرموز إلا أن ذلك لا ينسحب على انتقادهم، فمحاولات تفزيع النشطاء الذين يمثّلون طليعة الشعب وضميره النابض من خلال ليِّ الكلمات وتفسير المفردات على الشكل الذي يخدم تطبيق العقوبة، فهذا يتنافى مع المواثيق والحقوق الإنسانية التي تعارف عليها البشر في إعلانهم العالمي لحقوق الإنسان، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، اللذين صدّقت عليهما الجزائر ومن ثمّ يجب التمسك بتطبيقهما. وعلى الرغم من أن الجزائر شهدت منذ التسعينات، انتشار صحف مملوكة للقطاع الخاص تتمتع بهامش معين من الحرية في انتقاد الشخصيات العامة وسياسات الدولة، والذي توجّه صدور قانون في عام 2014 والمتعلق بالأنشطة السمعية والبصرية والذي أنهى احتكار الدولة الرسمي لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة، إلا أنّ الوسائل القمعية بقيت من خلال وسائل غير قانونية تتخذها الدولة بشكل ناعم تسيطر بها على حرية الصحافة والرأي. وقد شهد العام الماضي، وبحسب التقرير العالمي الذي أصدرته هيومان رايتس ووتش عن الجزائر، شهد محاكمات عديدة لنشطاء وصحفيين وإعلاميين بسبب التعبير النقدي، والأمثلة على ذلك كثيرة منها محاكمة محمد تامالت الصحفي المستقل الذي نشر فيديو تضمّن قصيدة اعتبرتها السلطات إهانة للرئيس الجزائري، والذي انتهى به الحال ميتاً في المستشفى بعد الاعتداء عليه بالضرب في السجن. وكذا محاكمة الناشط العمّالي علي بلقاسم بسبب دفاعه عن زملائه المحكومين بتهم الدفاع عن حقوق العمال. ولم يسلم الإعلاميون من سوط المحاكمات، فقد كانت محاكمة منتجي برنامج (كي حناكي الناس) مثار جدل واسع في أوساط المجتمع الجزائري. وأخيراً ما تشهده الجزائر من التضييق على الشيخ علي بلحاج المناضل الجزائري الحر بمنعه من الصلاة والتحرك، وهو ما دفع حقوقيين وسياسيين إلى تفعيل الحراك ضد هذه الإجراءات القمعية والتضييق على أصحاب الكلمة والرأي. فالتّهم المغلفة بأن أصحاب الرأي هم أدوات مدفوعة من الخارج لتقويض السّلم والأمن المجتمعي يدحضها التضييق على المناضل الوطني الحر علي بلحاج؛ إذ إن التضييق على بلحاج يعرّي مزاعم السلطات الجزائرية صاحبة سجل انتهاكات حقوقية ينأى القلم عن تدوينها. وفي الأخير وفيما يبدو فإن هذه الانتهاكات التي تقدم عليها السلطات الجزائرية والمرصودة من المنظمات الحقوقية، تهدف إلى أحد أمرين؛ إما السكوت أو اللجوء، لكنّ الشعب الجزائري اختار الخيار الثالث، فالشعب الذي قدم مليون شهيد مقابل استقلاله، لن يبخل أبناؤه بأن يقدموا أرواحهم من أجل حياة كريمة تصان فيها كرامة الإنسان الجزائري الحر المعتز بوطنه، والذي يحلم بأن يراه في مصاف الدول المتقدمة، وإن غداً لناظره قريب. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :