الاهتمام بمتاحف وفضاءات الكُتاب ليس ترفا. إنه جزء من كتابة تاريخ الأدب باعتبارها تُمَكن، عبر ما تتيحه من وثائق، من إعادة تتبع صداقات الكُتاب وطقوس كتاباتهم وإعادة قراءة النصوص في ضوء الأمكنة التي كُتبتْ فيها.العرب حسن الوزاني [نُشر في 2017/06/24، العدد: 10673، ص(17)] وجدت نفسي مبهورا، أثناء رحلتي الأخيرة، إلى رام الله بجمالية متحف محمود درويش. كلُّ التفاصيل تَمَّ تصميمُها لكي يحس الزائر بحضور درويش؛ موقع المتحف الذي يعتلي تلة تُطل على القدس، وثائق درويش الشخصية، بما فيها جواز سفره الأول، نصوصه المكتوبة بخط يده، مكتبه، الزهيرات التي تحيط بقبره والتي تم جلبُها من مختلف القرى الفلسطينية في إحالة على علاقته بأرض فلسطين. متحف محمود درويش قد يُشكل الاستثناء، من حيث قيمته، داخل العالم العربي، حيث يندر أن تُخصص المدنُ فضاءات للاحتفاء بكُتابها. ولعل من بين الحالات القليلة، في هذا السياق، متحف طه حسين، وهو فيلا الكاتب التي حولتها وزارة الثقافة المصرية إلى متحف لتخليد ذكراه. كما تندرج في نفس الإطار مبادرتان تسعيان إلى مأسسة الاهتمام بتراث الكُتاب، ويتعلق الأمر بأرشيف المغرب الذي يحتفظ بمجموعات هامة، من بينها مكتبة الكاتب محمد العربي المساري، والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية. أما في الضفة الأخرى، فلا تكاد عاصمة ثقافية تخلو من فضاء يحتفي بذاكرة كاتب ما. ولذلك لا يبدو مفاجئا أن تحفل باريس، على سبيل المثال، بأكثر من مكان يُشكل مقصدا للقراء وللمهتمين بالأدب والإبداع؛ بيت فيكتور هيجو، حيث كتبَ روايته الشهيرة “الفقراء”، إقامة بلزاك التي شهدتْ كتابة روايته “الكوميديا البشرية”، وورشة الفنان أوجين دولاكروا، التي تم إنقاذها من تحويلها إلى مرآب بفضل تدخل جمعية أصدقاء الفنان. ويبدو أن هذا الحرص داخل بلد كفرنسا يستفيد من تراكم هام على مستوى تقاليدها الثقافية، وهو الأمر الذي يعكسه وجود شبكة من متاحف الكتاب وقانون منظم لها وصدور عشرات العناوين الخاصة بالظاهرة. لا تشكل فرنسا الحالة الوحيدة. وأذكر في هذا الإطار أنه فور وصولي إلى فندق بيرا بلاس بإسطنبول، للمشاركة في مهرجانها الشعري الدولي، نبهني موظفُ الاستقبال إلى أن الغرفة المجاورة لي كانت تستضيفُ الكاتب الشهير إرنست همنغواي. ومن المعروف أن علاقة همنغواي بمدينة إسطنبول تعود إلى عشرينات القرن الماضي، حينما حل إليها لتغطية الحرب التركية اليونانية. أما الفندق الذي يعود تأسيسه إلى أكثر من قرن فلعله يستمر بفضل غرفةٍ كانت تستضيفُ كاتبا استثنائيا. والأكيد أن الاهتمام بمتاحف وفضاءات الكُتاب ليس ترفا. إنه جزء من كتابة تاريخ الأدب باعتبارها تُمَكن، عبر ما تتيحه من وثائق، من إعادة تتبع صداقات الكُتاب وطقوس كتاباتهم وإعادة قراءة النصوص في ضوء الأمكنة التي كُتبتْ فيها. محمد شكري، الكاتب المغربي الشهير، كان حريصا أثناء لحظات مرضه الأخير على تأسيس مؤسسة تحمل اسمه. غير أن الأمر سيتأجل إلى ما بعد وفاته لتدخُل المؤسسة في صراع مع ورثة الكاتب، الذي عاش حياتَه متحررا من العائلة. في آخر لقاءات المؤسسة ستُغطي “قضية” سيجارة زيدان على المؤسسة وعلى محمد شكري. كاتب مغربي حسن الوزاني
مشاركة :