يمضي الكاتب ما تبقى من صبحيته الافتراضية في تحيين صفحته الخاصة على الفيسبوك، فهي نافذته على الكون كما يصرح بذلك.العرب حسن الوزاني [نُشر في 2017/07/01، العدد: 10678، ص(17)] يستيقظ الكاتبُ، الكاتبُ الكبير. قبل أن يفرك عينيه يشعل جهاز الكومبيوتر بدل سيجارته الأولى. عليه أن يطل على صيد الصباح من الرسائل الإلكترونية. كل يوم ورزقه. هذا الصباح جاءت رسالة من معجبة عربية من بلاد أستراليا. قرأت الليلة نصا له في مجلة إلكترونية، وأرادت أن تبدي امتنانا له. يمضي الكاتب ساعات في التأكد من موضوع عشرات الرسائل الفضولية التي تتسرب إلى بريده. مواطنةٌ أفريقية تعرض عليه مقاسمة ثروة زوجها الجنرال التي أودعها في البنك قبل أن يتوفى. رسالةٌ من مختبر طبي يعرض وصفة جديدة لعلاج تساقط الشعر. يمر الكاتب بعد ذلك إلى تصفح عشرات المواقع الأدبية. كُتاب يملأون الفضاءَ الافتراضي الجديد. وداعا الجد غيتنبرغ. لا ينسى الكاتب أن يعيد إرسال نفس نصِّه الأخير، وللمرة العاشرة، إلى موقع جديد. مئات القراء الذين اطلعوا عليه في المواقع السابقة لا يكفون. يجب على الكاتب أن يستحق عالميته. تلك قناعته. ولماذا لا يكون عالميا وقد جاوز قراؤه، كما يشير عَداد الصفحة الإلكترونية، عددَ قراء “مائة عام من العزلة” للعم ماركيز. ولكي يُكرس الفرق، يحرص على الولوج بنفسه إلى الصفحة أكثر من مرة في اليوم، بدون أن ينسى أن يدع هناك كلمة جميلة في حق نفسه، باسم مستعار، وسيكون الأفضل أن يكون اسم فتاة، لكي يبعد الشبهة عن نفسه. لا بأس. فهو أيضا قارئ وفيٌّ لنصوصه. ثم ما المانع من أن يدعو أصدقاءه الافتراضيين إلى الاطلاع على الصفحة. شيء من الماركوتينغ لا يضر. يمضي الكاتب ما تبقى من صبحيته الافتراضية في تحيين صفحته الخاصة على الفيسبوك. فهي نافذته على الكون. كما يصرح بذلك. ضدا على حرب الإقصاء التي يتعرض لها اسمه كل يوم من طرف أعداء عديدين. يمضي الكاتب يومه في التواصل مع قراء افتراضيين ومع مواقع افتراضية. في المساء، يشعر بعزلة. هي نفسها عزلة نصه. كم يمضي الكاتب من الوقت في التواصل. نصف يوم؟ اليوم كله؟ متى يجد الكاتب الوقت للكتابة؟ خُذْ أيها الكاتب الافتراضي الكبير أي مؤلَّف لفقيه أو عالِم من أي قرن هجري سحيق تختاره وسيصدمك عمق التواصل الحقيقي الذي يبنيه المؤلِّف مع مصنفات مجايليه أو سابقيه. ولك أن تتأمل كيف يستطيع فقيه أو عالم، اعتدتَ أن تسميه، وفق مرجعيتك الحداثية، محافظا، أن يشيد صرحا للحوار، في لحظة لم يكن هناك غوغل ولا ياهو دوت كوم. اقرأ حواشي العلماء وشروحهم وطُرَرَهم وتعاليقهم. تأمل فهارسَهم وأسانيدهم، حيث تنمو شجرة المعرفة عبر مسارات مشيخة لم تكن تحتاج إلى وصفات البنك الدولي ولا إلى خدمات خبراء يقتاتون من الأزمات. التواصل الحقيقي يبدأ بين النصوص وينتهي عندها. كاتب مغربيحسن الوزاني
مشاركة :