على أي إدارة أميركية تريد إحلال السلام إيجاد ذلك التحدي لإسرائيل ورفع تكلفة احتلالها. حتى اليوم، لا يزال خيار مواصلة الاحتلال أقل تكلفة من خيار السلام.العرب سلام السعدي [نُشر في 2017/06/24، العدد: 10673، ص(9)] رغم موقفه شديد العداء للفلسطينيين أثناء حملته الانتخابية، فإن ذلك لم يمنع الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الالتزام بما بات عرفا دبلوماسيا أميركيا يتعلق بادعاء مواصلة جهود إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بصورة حيادية. منذ اتفاق أوسلو عام 1993، أصبحت مهمة إطلاق أو إنعاش المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حاضرة في الأجندة الأميركية الخاصة بالشرق الأوسط. أطلق بيل كلينتون تلك السياسة فيما عمل كل من جورج بوش وباراك أوباما على ترسيخها كعرف دبلوماسي أميركي يهدف للترويج السياسي أكثر منه إلى التوصل للسلام. ذلك أن الرعاية الأميركية للمفاوضات لم تتخذ يوما طابعا جديا يوحي بأن الأمر ذا أهمية سياسية كبيرة كما تدعي الإدارات الأميركية اللاحقة. هكذا، ورغم العداء الاستثنائي الذي أبداه الرئيس الأميركي خلال حملته الانتخابية للفلسطينيين، فإنه توعد بمجرد انتخابه بأنه سينجح في التوصل إلى سلام دائم بين الجانبين. ويعتقد كثيرون أن إدارة ترامب هي الأبعد عن إمكانية تحقيق ما عجزت عنه الإدارات السابقة. أهم الأسباب التي يسردها المدافعون عن هذا الرأي تتعلق بالمبعوث الذي كلفه ترامب بهذه المهمة وهو جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي وصهره الذي يحظى بثقته المطلقة. لا يمتلك كوشنر أي خبرة سياسية تذكر، فضلا عن خبرة بالعلاقات الدولة وحل النزاعات. إذ قضى جل حياته كرجل أعمال في مجال التطوير العقاري، وهي خلفية مشابهة للرئيس نفسه وهو ما دفعهما للتركيز على الوصول إلى “صفقة نهائية” في محاولة لنسخ خبرة المفاوضات التجارية على المفاوضات سياسية. يكمن التعقيد في أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ليست مفاوضات سياسية روتينية بين دولتين بل بين كيانين غير مستقرين. فمن جهة، هنالك كيان إسرائيلي لا يزال في خضم مرحلة التوسع الخارجي والتغيّرات الداخلية رغم الاستقرار الكبير الذي بات ينعم به منذ توقيع اتفاقيات السلام مع مصر عام 1979. إذ لا يزال يقيم أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني عربي داخل الكيان الإسرائيلي وهو ما يجعل دمقرطة الدولة، وبالتالي استقرارها السياسي، أمرا عسيرا ويدفعها للتحول إلى دولة يهودية عنصرية. على الطرف الآخر هنالك كيان سياسي فلسطيني منقسم على نفسه يفتقد لبنائه المادي. فحيث تسيطر السلطة الفلسطينية تقطعت أوصال الأراضي وينتشر سرطان المستوطنات الإسرائيلية بشراسة ويوشك على التهام الكيان الفلسطيني. وفي غزة، تسيطر حركة حماس على قطعة جغرافية تحت حصار كامل ولا يحظى حكمها لا بشرعية دولية ولا إقليمية. يظهر ما ذكر حجم التعقيدات التي تحيط بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وضرورة فهم تعقيداته. من هذه الزاوية تنعدم حظوظ كوشنر وترامب بإحراز أي تقدم. لكن المسألة الأهم ليست فقدان خبرة حل النزاعات والتفاوض السياسي. فحتى لو حضرت تلك الخبرة تبقى حظوظ التوصل إلى حل سياسي للقضية الفلسطينية شبه معدومة. ذلك أن المطلوب ليس الخبرة السياسية وإنما الإرادة لحل القضية. والإرادة في العلاقات الدولية لا تنبع من الأخلاق، إذ ليست الرغبة في أن يعيش أطفال الجانبين بسلام هي ما قد يشكل تلك الإرادة، بل إنها المصلحة. بالنسبة إلى أميركا، ورغم أن تكلفة دعمها لإسرائيل تفوق كل أنواع الدعم الخارجي التي تقدمه لكل دول العالم مجتمعة، فإن وجود هذا الكيان غير الناجز كعنصر توتر في الوطن العربي يعتبر ضروريا. إذ لطالما شكل مصدرا للنزاع وانعدام الاستقرار، وهي بدورها عوامل تركت بصمتها السلبية على مسار التطور السياسي والاقتصادي للمنطقة ونظمها السياسية. بالنسبة إلى إسرائيل، لا يبدو أن هناك تكلفة كبيرة مقابل الإبقاء على احتلالها للفلسطينيين. فباستثناء التكلفة السياسية التي تدفع ثمنها عبر تحدي منظمات العمل الأهلي ومنظمات حقوق الإنسان لها على الصعيد الدولي وإظهارها كدولة عنصرية والدعوة لمقاطعتها، فإن تكلفة إبقاء احتلالها وعدوانها قليلة في ظل عدم وجود تحد دولي لها وفي ظل خمود التحدي الداخلي بعد تشظي وضع الفلسطينيين. على أي إدارة أميركية تريد إحلال السلام إيجاد ذلك التحدي لإسرائيل ورفع تكلفة احتلالها. حتى اليوم، لا يزال خيار مواصلة الاحتلال أقل تكلفة من خيار السلام. كاتب فلسطيني سوريسلام السعدي
مشاركة :