إسرائيل لا تريد أي قدر من السلام المطروح حاليا. إنها تفضل، وتعمل على انتزاع كل الأرض، وهو ما سيجلب لها السلام الذي تبتغيه.العرب سلام السعدي [نُشر في 2017/12/09، العدد: 10837، ص(9)] استنكرت معظم وسائل الإعلام الغربية ومحللوها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل، لا لكونه ينكر حقوق الفلسطينيين ويدافع عن أبشع وآخر احتلال في العالم، بل لأنه سوف يدمر عملية السلام ويثير الإضرابات وأعمال العنف. يبدأ الديمقراطيون المعادون لدونالد ترامب الحديث بأنهم، ومن حيث المبدأ، ليسوا ضد قرار الرئيس الأميركي، ولكنهم ينتقدون الطريقة التي تمت بها العملية. كان على ترامب، وفق هذا التحليل، أن ينتزع من إسرائيل مقابلا سياسيا لقاء نقل السفارة الأميركية، يتمثل بوقف بناء الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي تقوض حل الدولتين. كان على ترامب، إذن، أن يبقي ملف القدس كوسيلة ضغط على إسرائيل في أي مفاوضات قادمة، أو حتى لدفعها نحو طاولة المفاوضات. يوضح هذا الموقف حجم الإحراج الذي يتسبب به السلوك الإسرائيلي لليبراليين الغربيين الداعمين لإسرائيل. ولكن، في نهاية المطاف، يحاول هذا الخطاب حماية إسرائيل أكثر مما يحاول نقدها. وفي خضم محاولته تلك يدعي بعنجهية وسذاجة أنه يعرف مصلحتها أكثر من طبقتها الحاكمة. الحقيقة أن الامتناع عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس لا يشكل وسيلة ضغط مناسبة على إسرائيل. لن تقدم إسرائيل تنازلات ذات معنى مقابل الحصول على اعتراف، سوف يأتي عاجلا أم آجلا كما ترى، بما بات يعتبر “أمرا واقعا” كما قال ترامب، أي سيطرتها على القدس وتحويلها إلى عاصمة فعلية منذ سنوات طويلة. الأهم أن سذاجة هذا القطاع من الليبراليين تتجاهل حقيقة أن الولايات المتحدة، وليس ترامب فقط، ليست مهتمة بالضغط على إسرائيل. منذ تأسيس إسرائيل، تطورت علاقتها مع الولايات المتحدة إلى علاقة عضوية حيث تضمن واشنطن استمرارها كدولة احتلال استيطاني فوق القانون الدولي. هكذا، يؤيد الحزبان الأميركيان، الديمقراطي والجمهوري، إسرائيل بصورة قطعية، وكان الكونغرس الأميركي قد قرر نقل السفارة الأميركية للقدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل عبر ما عرف بـ“تشريع سفارة القدس” في العام 1995. لم يتم تنفيذ القرار من قبل الرؤساء المتعاقبين لسبب وحيد وهو عدم إثارة عاصفة إعلامية وشعبية لا داعي لها على الإطلاق. إذ واصلت واشنطن دعم كل خطوات إسرائيل الاستيطانية لتهويد مدينة القدس ولتحويلها إلى عاصمة رغم ادعائها الحياد. تروّج هذه الفئة من الليبراليين لمقولة تطمس حقيقة إسرائيل ككيان استيطاني نابذ لأي سلام مع الفلسطينيين، وذلك عندما تقول إن ما يمنع السلام هو “المتطرفون” على “كلا الجانبين”. الهدف هو تجنب الاعتراف بأن ما يمنع السلام هو إسرائيل بمتطرفيها ومعتدليها، حيث هنالك إجماع على عدم التنازل عن الضفة الغربية، وخصوصا القدس، وعدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. يسخر الفلسطينيون من الحديث عن وجود فروقات بين رؤية اليسار واليمين الإسرائيليين للمفاوضات، فيرددون أن اليسار يقول “أحتفظ بكل ما أملك وأفاوضك على ما تملك”، فيما يقول اليمين “أحتفظ بكل ما أملك وأنتزع منك كل ما تملك”. الحقيقة أن إسرائيل لا تريد أي قدر من السلام المطروح حاليا. إنها تفضل، وتعمل على انتزاع كل الأرض، وهو ما سيجلب لها السلام الذي تبتغيه. السلام هنا لا يرتبط بإحقاق الحق والعدالة، وإنما بالمزيد من الطغيان وانتهاك الحقوق. السلام الإسرائيلي يتحقق بالإبادة التامة للفلسطينيين. الاعتراض الثاني على قرار ترامب يتمثل في الادعاء بأنه سوف يذكي أعمال العنف وبشكل خاص الإرهاب. صدر هذا الخطاب أيضا عن محللين عرب، ومشكلته المركزية في أنه يصور العرب والفلسطينيين أشخاصا غير عقلانيين يهتاجون بسرعة ويرتكبون حماقات وأعمالا إرهابية سوف يعاني منها الأميركيون الإسرائيليون المساكين. لا يعني ذلك التقليل من أهمية ردود الفعل على قرار ترامب ولكن لا يجب المبالغة بها أيضا. الأهم أنه لا يجب التركيز على ردود الفعل تلك باعتبارها ما يجب أن يمنع نقل السفارة الأميركية إلى القدس. يجب القول بوضوح إن مشكلة قرار ترامب ليست في ردود الأفعال وليست بعرقلة عملية السلام، ولكن بأن القرار ينكر حقوق الفلسطينيين في القدس ويعترف بالمقابل بأحقية إسرائيل. بهذا المعنى، القرار سيء ليس لأنه سيولد ردود أفعال سيئة، بل لأنه غير عادل ومجحف ويدافع عن آخر وأبشع احتلال على كوكب الأرض، الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي. كاتب فلسطيني سوريسلام السعدي
مشاركة :