زمن بلا أبطال..!! لا أحد يتصور أن يقف الرئيس الفرنسي الشاب ايمانويل ماكرون ليقول أنه وريث صولجان الامبراطور الأسطوري نابليون أو أنه امتداد لارث الزعيم التاريخي شارل ديغول، انه معتد بفرنسا اليوم التي تقف واحدة من أعظم الدول ومثله تيريزا ماي وريثة ريتشارد قلب الأسد و الزعيم ونستون تشرشل، سواء الرئيس الفرنسي أو رئيسة وزراء بريطانيا لديهم من الثقة بأنفسهم ودولهم الحديثة ما يغنيهم عن استدعاء التاريخ والبحث في الأمجاد الغابرة لتغطية عورة الراهن بورقة توت الماضي.بقلم ـ أكرم عطاالله الواقع العربي أكثر فقراً مما نتخيل ولم تعد كل الشعارات قادرة على تعمية انكشافنا ولكل دولة أساطيرها التي يتم استدعاؤها لتعبئة فراغ الحاضر، تستدعي الماضي للتغلب على هذا الواقع الذي لم يعد يقدم أبطالاً ولا معارك ولا انتصارات وهنا منذ أن توقف العرب عنها ظلت شخصية صلاح الدين الأيوبي حية، تبحث عنها المخيلة العربية أو تسكن بالقرب منها تسليماً بالقدر الذي لم يعد تزينه سوى الهزائم. اختفى ديغول من فرنسا لكن عبد الناصر ظل حاضراً لدى أمة توقف التاريخ عند ستينات قرنها الماضي لتبدأ بعدها بالسقوط الى أن أصبحت تأكل نفسها بكل ما أوتيت من أنياب تغرسها في لحمها الحي والميت منذ زمن، منذ أن تسلم العربي السلطة ليمارس كل هوايات الاستبداد التي أطاحت بكل شيء في الأوطان لصالح قادة حاولت أن تصنع من نفسها أساطير وتنسج روايات المجد وبطولاته وعند أول معركة اكتشف أنها ليست سوى حالات بهلوانية. ما حدث عن انكشافنا يشبه قصة ذلك الطفل الذي صرخ “الملك عارياً” وسط حفلة الخداع التي مارسها مستشارو ومساعدو الملك عندما طلب منهم حياكة ثوب لا مثيل له فأخذ خياط الملك بحيك الهواء وهو يحرك يديه مدعياً أنه يصنع رداء عجيبا وعندما كان الملك يتحرك بلا شيء وسط اعجاب الحاشية بثوب اللاشيء كانت صرخة الطفل هي الأصدق وسط جوقات التزلف ومؤسسات الوهم. نحن نعيد اختراع الروايات القديمة نستعيد أشخاصها ونضفي عليهم ما تجود به الذاكرة العطشى من أمنيات نحلم بها كلما استغرقنا في النوم حد الموت، هي محاولة للهروب من الحاضر نحو الماضي وتلك أضحت جزء من الثقافة العربية وعندما فشل ذلك في اسعافنا بات هروبنا الجماعي نحو نجاشي نستظل به من بطش ذوي القربى. انه الزمن العربي الأصفر الذي يجر جسداً أعياه التعب ولم يعد قادراً على السير حتى وسط خريف تساقطت كل أوراقه على الرصيف ،لا أعرف كيف لا يصاب القادة العرب بالغيرة عندما يزورون مدن وعواصم العالم وبرلماناته ثم يعودون الى بلاد تعيش زمن القرون الوسطى في الوعي والواقع وتم تدجينها وفقاُ لمقاييس ويتم فيهااخصاء كل المعارضين والمثقفين ،حتى لا يخرج من بينهم من يقول “الملك عارياً” نبقى عراة ونسقط عند أول مقارنة مع أول دولة غير عربية وحين نفكر بالمقارنة نستدعي ماضينا للانتصار على حاضرهم فهل لديهم صلاح الدين مثلاً ؟ واذا فشلنا تأخذنا العزة للنيل من نموذجهم باسم الأخلاق وانهيار القيم لديهم والتفسخ الأسري كأننا حقاً أكثر الأمم تماسكاً وأخلاقاً رغم كل الدم العربي المسال بأيدي عربية. الدول والأمم مثل الأفراد بل هي نتاج العقل الجمعي لهم، وعندما تفقد الدول ثقتها بنفسها تسعى لتعويض ذلك بالكلام وتصبح أكثر عنفاً حتى في مواجهة نفسها، يبدو أن ما تراكم في العقود الماضية من افلاس في كل شيء على صعيد بناء الدولة والمدينة والاقتصاد والصحة والتعلم أحدث ارتداداته على داخل كل دولة لنرى كل هذا العنف المنتشر على امتداد العواصم ونرى كل هذا الجدل الذي يطحن الهواء بين التيارات المتصارعة على السلطة . وما بين أحلام كبرى كانت ذات يوم وواقع بائس يتجسد كل يوم ومع اتساع الهوة بين التوقع والواقع يصبح الاغتراب هو الحقيقة الوحيدة التي تصاب بها الجموع العربية ،حقيقة الانفصال عن الأوطان …تلك الأوطان التي تهاجر في الزمن الغابر ومواطن يبحث عن المستقبل ..هذا الذي يشبه الصراع الداخلي للفرد ..أوطان تبحث عن ذاتها في زمن يسير بسرعة هائلة وهي تمشي بتثاقل فقيرة من كل شيء لم يعد لديها سوى التاريخ تسلي أو تواسي به نفسها . Atallah.akram@hotmail.com أخبار ذات صلةأكرم عطا الله يكتب : قطر وحقيقة الأزمة مع الدول…أكرم عطا الله يكتب: الانقسام.. سنوات العجاف الوطنيأكرم عطا الله يكتب: حماس في القاهرة؟أكرم عطا الله يكتب: مصر وسوريا تدفعان ثمن نصر أكتوبر…!!أكرم عطا الله يكتب: عصور ظلام العرب …!!
مشاركة :