ما ندعو إليه هو أن تحترم قيادة الإخوان نفسها، وأن تكف عن الدفع بالناس إلى التهلكة وأن تتقي الله في الفلسطينيين وبخاصة سكان غزة، وأن ترى عذاباتهم والحال الفلسطيني بعيون وقلوب مؤمنة.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/08/31، العدد: 10739، ص(7)] انطلقت منذ أسبوعين هجمة ضارية رباعية الأطراف، في محاولة النيل من التفاهمات المصرية مع قيادة حماس في غزة، وتفاهمات هذه الأخيرة، مع "التيار الإصلاحي" في حركة فتح لإنهاء الانقسام والالتزام بخارطة طريق لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وصياغة استراتيجية عمل جامعة للحركة الوطنية الفلسطينية. كانت الأطراف الأربعة، الضالعة في هذه الحملة، وهي "إخوان" الإقليم والنظامان التركي والقطري ومجموعة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أي الأطراف نفسها التي تلاعبت بمعاناة غزة وأظهرت المساندة الإغاثية المتواضعة، التي كانت ضمانة استمرار العذاب الفلسطيني في غزة، وتعويم الوضع المزري لكي يصبح مادة إعلامية يومية، قابلة للتوظيف وفق الأجندات الحزبية. في الحقيقة، وصلت هذه الهجمة بسلاح الثرثرة والإشاعات والرغي الفارغ إلى ذروتها في محاولة إسقاط لكل التفاهمات بتعويم فكرة مصالحة أخرى وهمية وإعادة القطاع الباسل إلى حال الاحتراب الداخلي والبغضاء، وإلى كل القبائح المتممة للكارثة. وكأن خمسة ملايين دولار تركية، توضع في يد عباس لسداد فاتورة وقود لتشغيل مولدات الكهرباء المتهالكة هي الحل الجذري لجوانب الكارثة في غزة، التي شملت كل أصعدة الخدمات والحياة والحقوق الإنسانية! وربما يكون تطيير الخبر الإشاعة عن وقف حماس تنسيقها مع فتح التي أسموها "دحلان" هو الورقة الأخيرة قبل إشهار الإفلاس، أو في السياق الحزبي الإخواني المأزوم، ومعه السياق العباسي السلطوي النائم على وسادة من آثام. وبدا لافتا دور “إخوان” الإقليم في تحريك الهجمة واختيار مفرداتها، وفق اعتبارات حزبية صرفة تخصهم وحدهم ولا تخص فلسطين، ولا سكان غزة الذين أصبحت حياتهم جحيما.دور إخوان الإقليم بدا لافتا في تحريك الهجمة واختيار مفرداتها وفق اعتبارات حزبية صرفة تخصهم وحدهم ولا تخص فلسطين صُدم أهالي غزة باضطرار مجموعة القيادة الحمساوية في القطاع إلى سلك طريق الوفاق الوطني مع القوة الفلسطينية الوازنة من حركة فتح، وفتح صفحة جديدة في العلاقة مع مصر، لإعادة الأمور إلى سابق عهدها من الانفتاح والتعاون بين القطاع ومصر في الشأن الأمني، واعتماد السكان على مصر في معظم شؤون حياتهم. وكان هذا المستجد قد أفقد قيادة “الجماعة” صوابها، وارتضت موقف عباس ولغته وسلوكه السياسي والأمني، لكي تتحاشى التفاهمات التي من شأنها إنقاذ غزة، لذا فإن مقاربة المصالحة المخادعة، التي سُمعت بنودها في ختام مباحثات عباس مع أردوغان في أنقرة، تضمنت إلزام عباس بالتراجع عن الإجراءات “العقابية” التي اتخذها ضد غزة والموظفين منها في حكومته. غير أن السياقات الفعلية على الأرض، ظلت تنم عن فشل الهجمة الرباعية المعززة بخمسة ملايين دولار تتعلق بفاتورة محروقات معلقة. فالأطراف الأربعة، منها من يلعب في الموضوع الفلسطيني مستريحا، وهو الطرف التركي الذي يتحدث عن التسوية التي تكون “لصالح إسرائيل والفلسطينيين” دونما غضب “إخواني” بتأصيلات فقهية، ومنها من يظن أن لديه الكهنوت الذي ينبغي أن يطيعه كل كادر حماس في غزة. فهذا الكهنوت، يُحرّم على أعضاء الجماعة التفكير والاجتهاد والأخذ بناصية الخيارات الوطنية الصحيحة، على قاعدة أن الصالح العام للمجتمع هو أصل كل مسعى شريف، إنساني وإسلامي ووطني ودعوي. لم يتعلم “إخوان” الإقليم من دروس التاريخ ولا من التجارب العسيرة التي مروا بها. فلا تزال الإشاعات والأكاذيب هي العملة المتدوالة في عالمهم الافتراضي. لكن ما يهمنا هنا هو مصالح الشعب الفلسطيني ووحدته ووئامه ومستوى أداء كيانه السياسي ولا مجال للاستمرار في المكابرة وفي مصادرة حق كادر حماس في اختيار السياقات السياسية التي تلائمه وفق المصالح الوطنية. ليس في جماعة “الإخوان” اليوم من يعلو شأنه على شأن مؤسس الجماعة، حسن البنا ولا على شأن المرشد الثاني حسن الهضيبي ولا على الرجل القوي في منتصف الأربعينات عبدالحكيم عابدين. فليقرأ عناصر الإخوان ما تعرض له هؤلاء جميعا من نقد وهجاء واعتراضات ونقاشات مريرة حول الخيارات. فالمرشد المؤسس البنا نفسه عندما سئل عن مال جرى جمعه لصالح فلسطين أجاب أنه أرسله للحبشة، طعنوا في ذمته وانشقوا عنه، لم تكن المسألة تتعلق بمصير مصر ولا بعذابات شعبها. فلماذا يرى هذا الكهنوت صاحب حق في منع المكتوين بالنار، من العمل وفق ما تمليه عليه ضمائرهم ومصلحة شعبهم؟ ما ندعو إليه هو أن تحترم قيادة “الإخوان” نفسها، وأن تكف عن الدفع بالناس إلى التهلكة وأن تتقي الله في الفلسطينيين وبخاصة سكان غزة، وأن ترى عذاباتهم والحال الفلسطيني بعيون وقلوب مؤمنة، وأن تجد عملا آخر لمرتزقة الإعلام الذين أشبعونا فرقانات وانتصارات، أذاقت الفلسطينيين مُرّ العذاب، بينما الفلسطينيون متروكون عرضة للبطش الصهيوني والإعدامات والانتهاكات في الأقصى وفي الوطن، وفي الحصارات المتعددة. تركيا الأردوغانية، التي تحاول إحباط التفاهمات في غزة لم تبادر على الأقل إلى تسهيل التحاق الطلبة الفلسطينيين بالجامعات التركية التي يدرسون فيها، ولو عن طريق البحر أو المروحات، بترتيب مع صديقتها إسرائيل. بالطبع، نحن لا نستجدي الجماعة أن تأخذ بناصية الصواب. فأعدى أعدائها يتمنى لها الاستمرار في النهج الذي تسلكه، وأن تظل قيادتها فاقدة للبصيرة، وتراوح مكانها. كاتب وسياسي فلسطينيعدلي صادق
مشاركة :