وسقطت «دولة الخرافة»، كانت هذه الجملة هي الأكثر تداولاً في وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، بعد إعلان التلفزيون العراقي الرسمي انتهاء ما سمي بدولة «داعش» الدموية في العراق وتحرير الموصل من براثن ذلك الكيان الإرهابي المجرم.بعد ثلاثة أعوام من الإعلان عن قيام الخلافة على يد «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» أو «داعش»، ارتكب خلالها هذا الكيان أبشع الجرائم؛ ما بين قتل للأبرياء أو تشريد لغير المسلمين واغتصاب لنسائهم وتفجيرات لم يسلم منها الأطفال والعجائز، ومحاولات دائمة لطمس التاريخ والحضارة وآخرها كان تفجير منارة الحدباء؛ أحد أهم المعالم التاريخية في مدينة الموصل، انتهى دورهم!نعم انتهى الدور المطلوب من هذا التنظيم المشبوه والذي لا يستطيع أي عاقل أن ينفي عنه شبهة ارتباطه بالاستخبارات الأميركية، فهل سننسى تنظيم «القاعدة» وهو الكيان الأم لـ «داعش»، وكيف جاء ذلك التنظيم بدعم مباشر من الولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي السابق، أم سننسى جماعة «طالبان» التي أتت بدعم الجنرالات الباكستانيين في نهاية الحرب الأفغانية؟تلك التنظيمات الإرهابية قامت بدورها على أكمل وجه في تلك الفترة وبعد انتهاء وظيفتها تم تصفيتها مع الحفاظ على بعض «الخلايا النائمة» منها لحين الحاجة لها مرة أخرى... وهذا ما حدث مع «داعش»، حيث كان دوره ينصب في زعزعة الأمن والأمان في المنطقة وتدمير ما تبقى من الجيش العراقي. استطاع «داعش» أن يجذب الأنظار له ويبعدها عن فلسطين وعن جرائم الكيان الصهيوني في غزة، حتى بتنا نسمع من البعض عن قرب التطبيع مع الصهاينة من دون أي خجل!قام «داعش» وسقط... والمستفيدان الأكبر منها هما الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، حيث بسطت الأخيرة نفوذها وبقوة على المنطقة وثرواتها الطبيعية، سواء عبر قواعدها العسكرية المنتشرة في العديد من بلدانها، أو من خلال الصفقات المليارية لبيع الأسلحة على دول المنطقة.وعلى الرغم من هذه القناعة، إلا أن هذا الكيان وغيره من التنظيمات الإرهابية المتطرفة لن تنجح لولا وجود من يروّج لها بين أبنائنا، ففي النهاية مَنْ قام بالتفجيرات ومَنْ قتل واغتصب ليسوا جنوداً أميركيين، وإن لم يكونوا أبرياء في العديد من الحالات، ولكنهم في الموصل والرقة كانوا عرباً ومسلمين منا وفينا... وعلينا ألا ننسى أن فكرة الجهاد وقيام هذه الدولة كنّا نسمعها أسبوعيا في المساجد خلال العقود الماضية أثناء خطب الجمعة والدروس الدينية، أو من خلال البرامج الدينية في القنوات التلفزيونية.لذلك فأنا على قناعة تامة بأن هزيمة «داعش» في العراق ليست النهاية، فمنابع الفكر المتطرف لم تجف وما زال التعصب الطائفي والطرح التكفيري ينخر في مجتمعاتنا وهو النواة الأولى لتأسيس أي تنظيم متطرف في المستقبل.وفي النهاية، نحن أمام حدث سيسجل في صفحات التاريخ وعلينا أن نستفيد منه ونتعلم من دروسه، فالتطرف لم يولّد سوى الدمار والإجرام، ومن كان يروّج للفكر الداعشي على مدى عقود تراجع مباشرة عن كلامه بعد أن غرر بالعديد من شبابنا...وعلى حكوماتنا أن تعي خطورة رعاية قوى التطرف وتجاهل ثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر، وتهميش الشباب وهم الفئة التي تستهدفها دائما تلك التنظيمات المتطرفة.dr.hamad.alansari@gmail.comtwitter: @h_alansari
مشاركة :