في بداية هذا الأسبوع، استمتعت بالمشاركة في جلسة حوارية حول المستجدات السياسية المحلية مع مجموعة من النخب الأكاديمية والكتاب والناشطين المدنيين المهتمين بالشأن البرلماني. من بين ما ميز تلك الجلسة الحوارية عن نظيراتها هو تنوع التوجهات السياسية التي شاركت فيها، وعلو سقف مداخلاتهم مع التزامهم بأدق حدود اللياقة، وفي الوقت ذاته سعة صدورهم في استقبال الانتقادات الموجهة إليهم أو إلى توجهاتهم السياسية. باختصار، التجمع كان نخبويا وطنيا نقيا من شوائب التطرف الظاهر والمقنع.من بين القضايا التي طرحت للحوار، كلمة النائب السابق مسلم البراك في يوم الاثنين من الاسبوع الماضي. حيث علق احد الحضور بأن البراك كانت صفته «نائب سابق» حين دخل السجن، ولكنه خرج منه كرجل دولة لما تضمنته كلمته من شواهد على زيادة في نضجه فكريا وسياسيا، فضلا عن تبنيه لخطاب دستوري يحتضن جميع الشرائح الكويتية من دون تمييز بين سني وشيعي وبين بدوي وحضري. ولكنني تحفظت على وصفه لمسلم بـ «رجل دولة»، لأنني ببساطة لم أجد في خطابه ما يؤكد التزامه مصالح جميع الكويتيين، مثلما لم أجد فيه ما ينفي ذلك. لذلك أتساءل: هل مسلم رجل دولة؟ وهل هو رجل المرحلة المقبلة؟أنا شخصيا لا أعرف سياسيا كويتيا لم يعلن التزامه حقوق جميع اطياف المجتمع، ولكن معظمهم - في الوقت نفسه - طائفيون وعنصريون وطبقيون أو عاجزون عن صون حقوق بعض شرائح المجتمع المستهدفة من قبل الفئويين. بل ان المعلم الأبرز في أداء وتراث الكثير من البرلمانيين السابقين والحاليين (ممن أقسم بالذود عن حريات ومصالح وأموال الشعب بمختلف مشاربه) هو قمع الآخر، حتى بلغ الأمر بأحدهم الاعتراض على بث تسجيل صوتي لمعزوفة بـ «الهبان» في ساحة احدى المدارس أثناء فترة الاستراحة، بحجة أن بث المعزوفة جاء ضمن مخطط لغزو ثقافي!هناك من يعتقد بأن تبني البراك الصريح لضرورة بسط ولاية القضاء على تراخيص دور العبادة - وإرفاقه بحالات سحب الجناسي - لدليل واضح على التزامه بالحقوق الدستورية للكويتيين الشيعة. ولكنني لا اتفق معهم في استدلالهم، وهذا لا يعني رفضي أو قبولي لنتيجته، حيث إنني أرى أن الحالة السياسية القائمة تستوجب ضم تراخيص دور العبادة لتمرير اقتراح بسط سيادة الدائرة الادارية في المحكمة الكلية على قضايا سحب الجنسية. فمجريات الأحداث البرلمانية منذ تقديم مقترحات تعديل قانون المحكمة الإدارية، ومرورا بتحركات بعض النواب المؤيدين للمقترحات - في جلسة التصويت - من أجل كسب مواقف بعض النواب المعارضين من خلال اضافة تراخيص دور العبادة في صياغة معدلة للمقترح، وانتهاء بنتيجة التصويت على تقرير لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في شأن المقترحات، جميعها تؤكد عدم مواءمة استبعاد تراخيص دور العبادة. وهذا ما تنبأ به عضو اللجنة النائب خالد الشطي منذ البداية قبل صدور التقرير. لذلك أقول أن البراك يتقن قراءة الساحة عندما أيد ضم تراخيص دور العبادة، ولكن المتوقع من رجال الدولة هو قيادة المجتمع نحو الاصلاح الفعلي وإن تطلب الأمر تقويم مفاهيمه وثقافته.المطلوب من مسلم - وكل رجل دولة - أن يترجم خطاباته الوطنية ومبادئه الدستورية على أرض الواقع، ولو بتدرج ضمن خطة زمنية منظورة. فيحرص على التصدي لمواقع التمييز، ضد الشرائح المجتمعية التي لا ينتمي لها بشكل مباشر، في بداية استراتيجيته الجديدة للإصلاح، وذلك من خلال مشاريع قصيرة المدى لمكافحة التمييز وصون الحقوق الاساسية. فعلى سبيل المثال، على رجال الدولة العمل - مع حلفائهم داخل البرلمان وخارجه - من أجل تمكين المسيحيين من حقوقهم، ومن بينها حقهم في بناء دور عبادة جديدة نظرا للزحام الشديد في كنائسهم. وعلى البراك - وغيره من رجال الدولة - تحريك كتلهم البرلمانية والسياسية لمصلحة اقرار الاقتراحين المقدمين إلى مجلس الأمة في شأن قانون الأحوال الشخصية الجعفرية، خصوصا بعد تضاعف عدد قضايا الطلاق الرسمي المخالفة للرأي الشرعي، وفق المذهب الجعفري.هذان فقط مثالان على المواقع الكثيرة التي يستطيع أن يعمل فيها رجال الدولة الاصلاحيون من دون عوائق فنية أو مثبطات زمنية، لأن موانعها ثقافية في المقام الأول. وحيث إن التجارب أثبتت أن الحكومة عاجزة عن إزالتها إلا من خلال برنامج طويل الأمد، في حين، يستطيع من يمتلك شعبية واسعة كالنائب السابق مسلم البراك أن يزيحها في مهرجان خطابي، لذلك أناشد السياسي الفريد مسلم أن يقتنص هذه الفرص الذهبية ليثبت للجميع - كما أثبت لمحبيه - أنه رجل دولة بمعنى الكلمة... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».abdnakhi@yahoo.com
مشاركة :