محمد صلاح فرعون شاب يقارع عمالقة القارة العجوز بقلم: ملكون ملكون

  • 7/8/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

النجم الكروي محمد صلاح لم ينطلق من قطبي الكرة المصرية النادي الأهلي ونادي الزمالك بل كانت مطاردته للسحر الكروي في بلدته بسيون في محافظة الغربية.العرب ملكون ملكون [نُشر في 2017/07/08، العدد: 10685، ص(14)]محمد صلاح بطل دوري الحارات يصبح أغلى لاعب عربي وأفريقي في التاريخ ستوكهولم- مَنْ قال لكم إن رومانسية كرة القدم اختفت وباتت في ذاكرة زمنٍ جميلٍ مضى؟ ومَنْ قال لكم إن جمالية كرة القدم حكر على نجوم أوروبا وأميركا اللاتينية؟ ومَنْ قال لكم أيضاً إن العقود الخيالية بأرقامها الفلكية لا يتنعم بها إلا النجوم الكبار؟ محمد صلاح لاعب كرة قدم مصري يجيب على كل هذه التساؤلات عملياً فوق أرض المستطيل الأخضر، بعقد انتقال من نادي روما الايطالي إلى ليفربول الإنكليزي، ليصبح بموجبه أغلى لاعب عربي وأفريقي في التاريخ. نجوم الكرة "الشراب" في حواري مصر العتيقة وقراها ونجوعها تنبت على التراب المواهب الكروية وهي تحكي ولعها بكرة القدم باللعب بما يسميه المصريون “الكرة الشراب”، وهي كرة مصنوعة من جورب قديم يُحشى بالقطن وقصاصات القماش القديمة، ثم تخّيط حوافه بالخيط، حيث يُؤخذ القطن من مخدة قديمة مهلهلة . وقد أنجبت الكرة الشراب نجوماً بحجم وقيمة محمود الخطيب أسطورة النادي الأهلي، وحسن شحاتة أسطورة نادي الزمالك، حيث تعلم كل منهما الكرة واكتسب مهاراتها من اللعب بالكرة الشراب في الحارات الضيقة من أحياء القاهرة الشعبية. وكان لتلك الكرة قوانينها الخاصة التي تختلف قليلاً عن القوانين الرسمية لكرة القدم، حيث كان عدد اللاعبين يعتمد على حجم مساحة الأرض التي تقام فيها المباراة، ما بين 5 و7 لاعبين، وكان زمن المباراة لا يزيد أبداً عن ساعة مقسّمة على نصف ساعة لكل شوط، وأحياناً ثلث الساعة وأحياناً 10 دقائق وكان صغار السن يلعبون من أربعة أو 6 أو 12 دقيقة. وكان التحكيم يتمّ بالتراضي بين الفريقين في المرحلة العمرية الصغيرة، بينما كان الكبار يعتمدون على أحد كبار السن أو لاعب من فريق ينتظر دوره لتحكيم المباراة، ويذكر أن السينما المصرية رصدت هذه الحالة عبر فيلم “الحرّيف” الذي قام ببطولته الفنان الكبير عادل إمام. طريق الاحتراف الوعرة يذكر التاريخ اسم المغربي العربي بن مبارك بوصفه أول لاعب عربي احترف في أوروبا وكان ذلك عام 1938 حين لعب لمارسيليا الفرنسي موسمًا واحدًا فقط، عاد بعده إلى بلاده بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية ليعود بعد انتهائها إلى فرنسا فيلعب مع نادي ستاد فرانس لثلاثة مواسم، ثم يذهب إلى إسبانيا للعب في صفوف أتليتكو مدريد، حيث قاده لإحراز لقب الليغا مرتين متتاليتين عامي 1950 و1951، هذا اللاعب الرائع الذي يعرف بلقب “الجوهرة السوداء” قبل بيليه لم يلعب قط للمنتخب المغربي بل مثّل المنتخب الفرنسي، ولكن ذلك لم يكن عن قلة وفاء وانتماء، بل نتيجة تأخر تأسيس المنتخب المغربي حتى عام 1957، وحينها تولى هو بنفسه مسؤولية تدريب أسود الأطلس بعد اعتزاله اللعب تمامًا. وشهدت حقبة السبعينات من القرن العشرين بزوغ النجم الجزائري مصطفى دحلب الذي تألق في صفوف باريس سان جيرمان مدة عشر سنوات وتحوّل إلى إحدى أيقوناته الخالدة. ومن بعده برز جيل ثمانينات القرن الماضي بقيادة الحارس المغربي بادو الزاكي الذي لعب لريال مايوركا الإسباني، ومواطنه عزيز بودربالة الذي لعب لسيون السويسري، إضافةً إلى النجم الجزائري الشهير رابح ماجر الذي تألق في بورتو البرتغالي وقاده لإحراز لقب دوري أبطال أوروبا عام 1987.رئيس نادي الزمالك يندم اليوم لأنه رفض ضم صلاح بسبب صغر سنه، فبدلا من أن يكون هذا الرفض محطة إحباط له، كان نقطة تحول في حياته الكروية ليدخل وهو في سن العشرين عالم الاحتراف الكروي الأوروبي مع نادي بازل السويسري في صفقة بلغت حينها مليوني يورو وتزايدت أهمية محترفينا العرب في أوروبا خلال تسعينات القرن العشرين، فبرز الجزائريان عبد الحفيظ تسفاوت وموسى صايب مع أوكسير الفرنسي، ومواطنهما علي بن عربية مع عدة أندية فرنسية كموناكو وسان جيرمان وبوردو، الذي توج معه كأفضل لاعب في الدوري الفرنسي عام 1998، كما تألق في الفترة ذاتها المدافع المصري هاني رمزي مع فيردر بريمن وكايزر سلاوترن الألمانيين، والتونسي عادل السليمي مع فرايبورغ الألماني، إضافةً إلى الثلاثي المغربي نورالدين النايبت ومصطفى الحجي وصلاح الدين بصير، الذين لعبوا في صفوف لاكورونيا الإسباني أواخر تسعينات القرن الماضي. واستمر تألق أغلب نجوم تسعينات القرن العشرين في الألفية الجديدة مع ظهور نجوم عربية أخرى سطعت في سماء أوروبا، كالمصري أحمد حسام ميدو والتونسي حاتم الطرابلسي مع أياكس الهولندي، واللبنانيين رضا عنتر ويوسف محمد مع فرايبورغ وكولن الألمانيين، والجزائري مجيد بوقرة مع غلاسكو رينجرز الأسكتلندي، ومواطنه رفيق صايفي مع تروا ولوريان الفرنسيين، والمصري محمد زيدان مع دورتموند الألماني، والمغربي محمد اليعقوبي مع أوساسونا الإسباني، والتونسي ياسين الشيخاوي مع زيوريخ السويسري، إضافةً إلى الحارس العماني علي الحبسي مع ويغان الإنكليزي. وفي السنوات الأخيرة الماضية تزايد عدد نجومنا العرب في الدوريات الأوروبية بشكل كبير حتى أصبح من النادر أن تخلو بطولة محلية أوروبية من الأسماء العربية المؤثرة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: في الدوري الإنكليزي الجزائريان رياض محرز وإسلام سليماني، والمصريان محمد النني وأحمد المحمدي، وفي الدوري الألماني المغربي المهدي بن عطية. لكن محمد صلاح تفوق على هؤلاء جميعاً، ليصبح النجم الكروي الرقم واحد. أهلي وزمالك معاروح التحدي لدى صلاح غلبت قلقه وتوجسه وحيرته على غير العادة فإن صلاح لم ينطلق من قطبي الكرة المصرية النادي الأهلي ونادي الزمالك. بل كانت مطاردته للسحر الكروي في بلدته بسيون في محافظة الغربية، ومن حاراتها انتقل في سن الثامنة عشرة لنادي “المقاولون العرب”، وللمفارقة فإن أول أهدافه في الدوري المصري سجله بمرمى النادي الأهلي في 25 ديسمبر 2010. هذه القدرات المميزة لفتت نظر كشافي المواهب بنادي الزمالك لكن رئيس النادي رفض ضمّه لصغر سنه. وبدلا من أن يكون هذا الرفض محطة إحباطٍ لصلاح، كان نقطة تحول في حياته الكروية ليدخل وهو في سن العشرين عالم الاحتراف الكروي الأوروبي مع نادي بازل السويسري في صفقة بلغت حينها مليوني يورو. ورغم بدايته المتلكئة في سويسرا بسبب ضغوط الغربة والحياة الاحترافية الأوروبية القاسية إلا أنه سرعان ما أثبت نجوميته فنال لقب أفضل لاعب في الدوري السويسري عام 2013 وسبق ذلك فوزه بلقب أفضل لاعب أفريقي صاعد عام 2012. الفوز في جميع المباريات عندما شدته أضواء الدوري الإنكليزي انتقل صلاح إلى تشيلسي اللندني بما يقارب الـ11 مليون جنيه إسترليني، لكنه واجه مزاجية المدرب جوزيه مورينيو، فبقي لفترات طويلة أسير دكة الاحتياط، فلم يكن أمامه سوى الانتقال على سبيل الإعارة إلى نادي فيورنتينا الإيطالي حيث استعادت حكايته الكروية بريقها من جديد. بانتقاله إلى نادي روما بدأت الخبرة تكتمل ملامحها والموهبة الفطرية تُصقل، فلم يكتفِ بتسجيل الأهداف بل كان الأميز بصناعة الفرص والأهداف لزملائه، وأصبح الرقم الصعب في فريق ذئاب العاصمة الإيطالية، فكان العرض المالي الكبير من ليفربول الإنكليزي النادي العريق وأحد أكبر الأندية الإنكليزية والأوروبية. ورغم أن تجربته السابقة في إنكلترا كانت مريرة إلا أن روح التحدّي لدى هذا الفرعون الشاب غلبت قلقه وتوجّسه وحيرته، فأعطى الضوء الأخضر لإتمام الصفقة التي بلغت قيمتها 36 مليون جنيه إسترليني، بالإضافة إلى ثمانية ملايين يورو تدخل ضمن بند المكافآت، وبذلك أصبح صلاح أغلى لاعب في تاريخ ليفربول متجاوزاً صفقة أندي كارول، وأغلى لاعب افريقي محطماً رقم السنغالي ساديو ماني الذي انتقل الموسم الماضي إلى ليفربول من ساوثمبتون مقابل 34 مليون جنيه إسترليني، وأغلى لاعب عربي متجاوزاً صفقة اللاعب الجزائري إسلام سليماني الذي انتقل من سبورتينغ لشبونة البرتغالي إلى ليستر سيتي الإنكليزي مقابل 30 مليون جنيه إسترليني.صلاح أصبح أغلى لاعب في تاريخ ليفربول ومع منتخب مصر تدرّج صلاح في مشاركاته فلعب مع منتخب الشباب في كأس العالم للشباب 2011 ومع المنتخب الأولمبي في أولمبياد لندن 2012. ثم أصبح النجم الأبرز في المنتخب المصري الأول مساهماً في فوزه بمركز الوصيف في بطولة كأس الأمم الأفريقية هذا العام، وبلغ عدد مبارياته الدولية مع المنتخب المصري 53 مباراة دولية سجل خلالها 29 هدفاً. في إنكلترا الإعلام الرياضي لا يرحم، يبحث دائماً عن الوجه الآخر للنجوم ويلهث خلف الأخبار المثيرة والمناكفات والخلافات، لذا فإن الماكينة الإعلامية في نادي ليفربول وجهت ضربة استباقية وسلطت الضوء على الوجه الآخر لصلاح الذي يقول إن “أول ما أفعله عندما أستيقظ من النوم هو الابتسامة، ثم أتأمل لفترة قصيرة قبل أن أنطلق للحياة. قد يكون من المستغرب أنني أبدأ يومي بالابتسامة لكنني سعيد دائماً. أيّ أمر بسيط أو صغير يجعلني أشعر بالسعادة، لكنني بالطبع أشعر بالحزن والغضب معاً عند خسارة أيّ مباراة أخوضها، فالفوز بكل المباريات هدف أساسي بالنسبة إليّ”. صوت طفلته الصغيرة “مكة” وشغبها المحبب هو أفضل الأصوات التي يحبّ أن يسمعها، مؤكداً أنه يحبّ عائلته ومنزله “أفضل شيء بالنسبة إليّ في يوم الراحة هو البقاء في المنزل والاسترخاء وعدم فعل أيّ شيء آخر”. ويختصر صلاح عشقه لكرة القدم بقوله “أجمل ما في كرة القدم أنها تساعد الناس في الحصول على حياة أفضل، وتجعلهم يحترمون بعضهم البعض، أما أنا فتتلخص طموحاتي بتحقيق بطولات عديدة في مسيرتي الكروية، فأنا دائماً أبذل كل ما بوسعي لخدمة النادي الذي أرتدي قميصه”. تجربته الصعبة في الوصول إلى هدفه في إنكلترا يقول عنها صلاح “كل شيء تطور بنسبة 100 بالمئة. حتى شخصيتي اختلفت، فقد كنت يافعاً في سن العشرين والآن أنا أكبر بخمسة أعوام، كل شيء بات مختلفاً، إضافة إلى أنني أمتلك الكثير من الخبرات مع ثلاثة أندية كبيرة. ويترتب عليّ إثبات ذلك، وأعمل على تطوير مستواي نحو الأفضل، وأفكر دائماً في التفاصيل الصغيرة لأنني بحاجة إلى التحسن بشكل أكبر. لقد كنتُ هنا في إنكلترا وأشعر بالسعادة والحماس لعودتي من جديد إلى أجواء الدوري الإنكليزي مع ناد كبير يعلم الجميع حجمه وعراقته”.

مشاركة :