نيكولاس مادورو سائق حافلة يكلم العصافير ويقود فنزويلا للهاوية بقلم: ملكون ملكون

  • 8/20/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

نيكولاس مادورو لم يبذل جهداً كبيراً ليتقمص دور الدكتاتور حيث تشرّب تفاصيله من سلفه هوغو تشافيز الذي كان ظلاً له وأميناً على تركته الثقيلة.العرب ملكون ملكون [نُشر في 2017/08/20، العدد: 10728، ص(9)]شعوب ضاقت ذرعاً بجلاديها ستوكهولم - يبدو أن هناك خيطا ما رفيعا يربط الدكتاتور بسلفه، ربما يكون مندساً في جينات خفية، وربما يكون تماهيا مستترا، لتستمر حكاية الدكتاتوريات في العالم وتستمر حكاية شعوب ضاقت ذرعاً بجلاديها. لم يبذل نيكولاس مادورو جهداً كبيراً ليتقمص دور الدكتاتور، فقد تشرّب تفاصيله من سلفه هوغو تشافيز الذي كان مادورو ظلاً له وأميناً على تركته الثقيلة. عندما كانت رئيسة البرازيل ديلما روسيف تُقال من منصبها بعد فضيحة فساد اختلف البرازيليون حول مدى تورطها فيها، كان مادورو يتحسّس رأسه ويصرح قائلاً “يبدو أنني التالي في المؤامرة الأميركية بعد روسيف”، فأعلن برد فعل مفاجئ حالة الطوارئ في فنزويلا في الثالث عشر من مايو 2016 متهماً واشنطن بالسعي للإطاحة بحكومة كاراكاس وإثارة انقلاب خفيّ ضده، فكان الرد الأميركي مستفزاً أكثر بقول مسؤول في الـ”سي آي إيه”، “بالإمكان الإصغاء لتصدع الجليد. هناك أزمة قادمة”. العملاق الفنزويلي مادورو سائق الحافلات الذي اقتفى أثر زعيمه المفضل تشافيز، وأصبح رئيساً لخامس دولة منتجة للنفط في العالم، شاربه المميز أصبح علامة فارقة لدى الفنزويليين وحتى النساء منهم فقلدوه (أنصاره بالطبع) ووضعوا رغوة سوداء فوق شفاههم العليا واصفين شاربه بأنه “شارب أرض الآباء”. وخلال حملته الانتخابية أطلق مادورو على نفسه وعلى وزراء حكومته اسم “حواريو تشافيز” ووصف المعارضين بأنهم “فريسيون” في إشارة إلى الطائفة اليهودية التي جاء في الإنجيل أنها جادلت السيد المسيح. وحكى مادورو كيف أنه تبادل التغريد مع طائر بينما كان يصلي في ضريح بمسقط رأس تشافيز، مما جعله يوقن بأن روح الزعيم الراحل زارته. سخر معارضو مادورو من الأمر واستغل رسامو الكاريكاتير الحكاية دون رحمة واستخدموا أيقونة تويتر الشهيرة على شكل طائر وصورا من لعبة الفيديو الشهيرة “أنغري بيردز” للتهكم عليه. هذا جانب طريف ومتناقض في شخصية سائق الحافلات الذي يقود المركبة الفنزويلية نحو الهاوية. مادورو من مواليد الـ23 من نوفمبر عام 1962 لأسرة عمالية، فقد كان والده نيكولاس مادورو غارسيا قائدا بارزا في النقابات العمالية، توفي في حادث سيارة عام 1989. يعرف بأنه “مختلط” في الجينات فهو خليط عرقي من الشعوب الأصلية للأميركيتين والأفارقة. وذكر في مقابلة أجريت معه في عام 2013 أن “أجدادي كانوا يهودا، من موريشباك غروند سيفارديك، وتحولوا إلى الكاثوليكية في فنزويلا”. نظرية مادورو في الوطن الآمن العائلة اليسارية أثّرت على تكوين شخصية مادورو، فوجد مثله الأعلى في والده، وهو الولد الوحيد لشقيقات ثلاث. فعمل في الاتحادات الطلابية، ولكنه لم يحصل على شهادة الدراسة الثانوية، فعوض ذلك بالانخراط في العمل السياسي، وعندما بلغ الرابعة والعشرين من عمره كان متواجداً في العاصمة الكوبية هافانا لحضور دورة لمدة عام في المدرسة الوطنية التي هي مركز التلقين السياسي الموجه من قبل اتحاد الشباب الشيوعي.فنزويلا في نفق مظلم وأزمة تتفاقم يوما بعد آخر، فقد زاد الاحتقان حتى بلغ ذروته في مارس الماضي عندما تولت محكمة العدل العليا في فنزويلا المؤيدة للرئيس مادورو السلطة التشريعية، ورفعت الحصانة الممنوحة لأعضاء الجمعية الوطنية الذين ينتمون في الغالب للمعارضة عمل سائقاً للحافلات منضماً لنقابة سائقي الحافلات، وهذا لم يمنعه من العمل كحارس شخصي للمرشح الرئاسي خوسيه فيسنتي رانغيل عام 1983، وبقي في الظل يتحين الفرصة للتسلق من جديد فوجد ضالته في الحملة الشعبية لإطلاق سراح هوغو تشافيز من السجن بعد محاولته الانقلابية الفاشلة عام 1992، وبات في نهاية التسعينات من القرن العشرين من المقربين جداً لتشافيز، فلعب دوراً فعالاً في تأسيس حركة الجمهورية الخامسة، التي دعمت تشافيز في رئاسته عام 1998، فكوفئ بانتخابه في مجلس النواب في نفس العام، ثم في الجمعية الوطنية التأسيسية في عام 1999، وأخيرا إلى الجمعية الوطنية في عام 2000، ودائماً ممثلاً للعاصمة كاراكاس، قبل أن ينتخب رئيساً للجمعية من عام 2005 حتى عام 2006 عندما عيّن وزيراً للخارجية. وفي نقلة نوعية عينه تشافيز نائباً له في عام 2012، وبدا واضحاً للجميع أن تشافيز يهيّئ تلميذه النجيب للرئاسة، فعندما عاوده مرض السرطان وقبل سفره إلى كوبا للعلاج أعلن أنه في حال تفاقم وضعه الصحي فإن على الفنزويليين التصويت لصالح مادورو ليخلفه. عند وفاة تشافيز في الـ5 من مارس العام 2013 تولى مادورو سلطات ومسؤوليات الرئيس وسط خلافات حول انتهاكه للدستور، وفي الـ14 من أبريل عام 201، انتخب مادورو رئيسا لفنزويلا بفوزه على مرشح المعارضة هنريكه كابريلس بفارق ضئيل مع 1.5 بالمئة فقط من الأصوات التي تفصل بين المرشحين. طلب كابريلز على الفور إعادة فرز الأصوات ورفض الاعتراف بالنتيجة المعلنة. وبدأت الأزمة الدستورية تجتاح البلاد وسط قمع وعنف من مادورو مع معارضيه والمحتجين، وحاول التغطية على ما يحدث في الشارع بإطلاق برنامج “الوطن الآمن” في محاولة يائسة لخفض نسبة جرائم القتل في فنزويلا، وحاول حل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد لكنه لم يتمكن من تحقيق أيّ نتائج إيجابية. المعارضة الفنزويلية اعتبرت ما حدث انتهاكا للدستور، وأن الإجراء الذي اتخذه مادورو يأتي في وقت لا يلتفت فيه للظروف المعيشية السيئة مثل نقص الغذاء والدواء وانقطاع التيار الكهربائي والنهب والفساد وزيادة معدل التضخم والاتجار بالمخدرات وانتهاك حقوق الإنسان. بعدها دخلت البلاد في نفق مظلم وأزمة تتفاقم يوما بعد آخر، وزاد الاحتقان حتى بلغ ذروته في مارس الماضي عندما تولت محكمة العدل العليا في فنزويلا السلطة التشريعية للجمعية الوطنية، ولأنها مؤيدة للرئيس مادورو فإنها رفعت الحصانة الممنوحة لأعضاء الجمعية الوطنية الذين ينتمون في الغالب للمعارضة التي اعتبرت ما حدث بأنه انقلاب حقيقي، ورغم عودة المحكمة عن قرارها إلا أن ما حدث كان مؤشراً على ما سيأتي من أحداث.حملته الانتخابية أطلقت على مادورو وعلى وزراء حكومته اسم "حواريو تشافيز"، وقد وصف المعارضين له أثناءها، بأنهم “فريسيون” في إشارة إلى الطائفة اليهودية التي جاء في الإنجيل أنها جادلت المسيح وبعد مناكفات بين المعارضة والنظام وجد مادورو الحل بتعليق الاستفتاء وإلغاء الانتخابات، فخرج 1.2 مليون فنزويلي للشوارع في جميع أنحاء البلاد مطالبين برحيله، فكان الصدام الذي أدى لمقتل شرطي واحد، وسلسلة من القتلى من المتظاهرين تجاوز الـ120 شخصا وجرح 147 آخرين. وبقيت الأزمة تكبر يوماً بعد يوم، فيسقط قتيل من المتظاهرين بعد آخر، ولا يلوح أيّ أمل بالحل مع تمسك الطرفين بمواقفهما. الفساد في فنزويلا مادورو يقول إن “فنزويلا مستعدة لأيّ سيناريو، وأنا لا أحب استباق الأحداث، لأنّي أسعى دائما لتسوية الوضع بأفضل طريقة ممكنة. حديث المتطرفين اليمينيين في الولايات المتحدة الأميركية، حول محاصرة فنزويلا، هو جنون مطلق فإذا ضربونا من الشمال، فإن الطريق إلى الغرب، والجنوب، والشرق، دائما مفتوحة أمام فنزويلا. لدينا تحالف قوي مع روسيا، تحالف في مجال النفط والغاز وقطاعات مهمة أخرى في مجال الصناعة، وهذا التحالف يتطور باستمرار”. كل هذا الوعيد بينما تبقى المعارضة مصرّة، دون أن تتنازل عن مطلب رحيل الرئيس، فيما تتجه البلاد نحو المجهول. في دراسة أجرتها مؤسسة غالوب عام 2014، يعتقد ما يقرب من 75 بالمئة من الفنزويليين أن الفساد منتشر في حكومتهم. ويقول المعارض ليوبولدو لوبيز “نحن نقاتل حكومة استبدادية فاسدة جدا تستخدم كل القوة، وجميع الأموال، وجميع وسائل الإعلام، وجميع القوانين، وجميع النظام القضائي من أجل الحفاظ على السيطرة”. ويحتل الفساد في فنزويلا مرتبة عالية حسب المعايير العالمية، وعلى الرغم من صعوبة قياسه بشكل دقيق، لكن منظمة الشفافية العالمية تصدر سنوياً مؤشر تصورات الفساد الذي يعتبر أكثر المقاييس قرباً من الدقة. ففي عام 1995 احتلت فنزويلا المرتبة الـ38 من بين 41 بلداً الأكثر فساداً، وفي عام 2008 احتلت المركز الـ158 من أصل 180 دولة وهو المركز الأسوأ في الأميركيتين باستثناء هاييتي، وفي عام 2012 كانت فنزويلا من بين الدول العشر الأكثر فساداً في المؤشر. وعلاوة على ذلك، فإن مؤشر سيادة القانون الذي أصدره مشروع العدالة العالمي وضع فنزويلا في المركز الـ99 بين دول العالم، وهو الترتيب الأسوأ في أميركا اللاتينية. ووفقا لمؤشرات البؤس العالمي لعام 2013 كانت فنزويلا تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم مع أعلى مؤشر بؤس، إضافة إلى ثاني أعلى معدل تضخم بـ56.20 بالمئة في العالم لعام 2013، فقط وراء سوريا التي مزقتها الحرب.مادورو يرى مثله الأعلى في والده، وهو الولد الوحيد لشقيقات ثلاث. ولذلك عمل في الاتحادات الطلابية، ولكنه لم يحصل على شهادة الدراسة الثانوية، فعوض ذلك بالانخراط في العمل السياسي مع إيران وروسيا والصين في فنزويلا يُقتل شخص كل 21 دقيقة، وفي الشهرين الأولين من عام 2014 قُتل ما يقرب من 3000 شخص، بزيادة 10 بالمئة عن العام 2013 و500 بالمئة أعلى مما كان عليه عندما تولى تشافيز منصبه. هذا الرقم المرعب بمعدلات الجريمة يأتي بسبب الفساد المتفشي وفوضى الأسلحة بيد الناس ولأن الـ91 بالمئة من جرائم القتل لا يُعاقب عليها وفقاً لمعهد البحوث من أجل التعايش وأمن المواطنين، فيما تعزو المعارضة الفنزويلية ارتفاع نسبة الجريمة لضعف تعامل الحكومة مع الجريمة وتسييس الفساد وانتشار الفساد في المؤسسة القضائية ولتمجيد العنف في الخطاب العام، في الوقت الذي تهرب الحكومة نحو خطابها التقليدي وتعتبر “الشر الرأسمالي” هو المسؤول عن الاتجار بالمخدرات وتفشّي العنف في البلاد. قد يبدو التعبير أو المصطلح الأميركي فجاً، ولكنه على أرض الواقع كان متجسداً بلا رتوش؛ “الحديقة الخلفية لواشنطن”. هكذا تعتبر النخبة السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة دول أميركا اللاتينية، لأن المواد الخام واليد العاملة اللاتينية رافد مهم للاقتصاد الأميركي، فكانت الأزمة المالية عام 1997 في الولايات المتحدة تلقي بظلالها على تلك “الحديقة الخلفية” لأنها كانت الحلقة الأضعف في محاولات واشنطن نقل أزمتها لخارج الحدود. وبعد امتصاص الأزمة بتفعيلها في جنوب شرق آسيا، خيمت أجواؤها على دول أميركا اللاتينية وبات الفقر مدقعاً، فخرجت المظاهرات في الأرجنتين فيما عُرِفَ يومها بمظاهرة “الطناجر الفارغة”، لكن تمت السيطرة على الأمور وبقيت بوليفيا والإكوداور وفنزويلا ترفض البقاء “حديقة خلفية” لواشنطن. فنزويلا عبثت بتلك الحديقة بتفاهمات اقتصادية مع الصين التي ضخّت مليارات الدولارات لكراكاس كقروض طويلة الأجل. وبدا واضحاً أن الصين تستثمر في كاراكاس لأهداف استراتيجية وليس لتشابه أيديولوجي كما تفعل روسيا، وكان دخول إيران وتحالفها مع فنزويلا مؤشراً خطيراً لدى الإدارة الأميركية التي وجدت منطقة حيوية بالنسبة إلى اقتصادها تتسرّب من بين أصابعها كحفنة ماء عجلى.

مشاركة :