العالم الأميركي مايكل روزباخ وشريكاه في الهاجس العلمي يفوزون بجائزة نوبل للطب بفضل اكتشافاتهم لآليات جزيئية تتحكم في الساعة البيولوجية للإنسان.العرب ملكون ملكون [نُشر في 2017/10/08، العدد: 10775، ص(9)]انتظر ثلاثة عقود ليضبط الإيقاع الزمني للتواتر اليومي ستوكهولم – أن تمضي ثلاثة عقود من الزمن مع تجاربك العلمية لتصل لمبتغاك العلمي واكتشافك الذي سيغير وجه البشرية فأنت بالتأكيد علامة فارقة في ذاكرة البشرية. هذا ما فعله العالم الأميركي مايكل روزباخ وشريكاه في الهاجس العلمي، العالمان جيفري هول ومايكل يانغ، فكانت جائزة نوبل للطب لعام 2017 من نصيب الثلاثة، بفضل اكتشافاتهم لآليات جزيئية تتحكم في الساعة البيولوجية للإنسان. الإنسان ودوران الأرض في قرارها المعلن عن الفائزين بجائزة نوبل للطب عام 2017 تقول جمعية نوبل بمعهد كارولينسكا السويدي إن العلماء الثلاثة “تفسّر اكتشافاتهم كيف يوائم البشر والنبات والحيوان إيقاعهم البيولوجي حتى يتماشى مع دوران الأرض، والساعة البيولوجية تنظم وظائف حيوية مثل السلوك ومستويات الهرمونات والنوم ودرجة حرارة الجسم والأرض”. أكثر الثلاثة استغراقاً في عمله هو روزباخ الذي ولد في ربيع عام 1944 في مدينة كانساس سيتي بولاية ميسوري لوالدين من اللاجئين اليهود الهاربين من ألمانيا النازية عام 1938، ومنذ البداية كان روزباخ مهتماً بالرياضيات لكنه غيّر توجهاته العلمية نحو البحوث البيولوجية وتخرج عام 1968 من كالتك بمجال الكيمياء. سافر بعدها في بعثة دراسية لمدة سنة في معهد بيولوجي للفيزياء والكيمياء، قبل أن يحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء الحيوية في العام 1970 من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ممضيا ثلاث سنوات لنيل الزمالة ما بعد الدكتوراه في علم الوراثة في جامعة أدنبره. البروتين هو المفتاح بدأ روزباخ دراساته عن استنساخ جينات ذبابة الفاكهة، ثم اكتشف دور الجينات “كمذبذب للساعة البيولوجية “، وأن بعض مستويات البروتين تنقلب في الدورات المظلمة الخفيفة وتظل هذه التقلبات في الظلام المستمر. في عام 1998 بدأت الأمور تتبلور أكثر فاكتشف أن بعض الخلايا العصبية لذبابة الفاكهة تتزامن لدورات الظلام الخفيف، وأن بعض العصبية الجانبية تكون مهمة لإيقاعات الساعة البيولوجية، وهذه النتائج بدأت تقوده للاعتقاد بأن الخلايا العصبية تقوم بتنظيم ضربات القلب اليومية مستمدة من جهاز الإرسال الإيقاعي الرئيسي. وفي السنوات الأخيرة ركز روزباخ أبحاثه على الجوانب الدماغية العصبية من الإيقاعات البيولوجية، فحدد سبع مجموعات للخلايا العصبية مميزة تشريحياً بحيث توضح عمل الجينات على مدار الساعة الأساسية، حيث اهتم في تحديد ما إذا كانت هناك صلة بين بعض الوظائف المميزة وبعض المجموعات العصبية، مركزاً على أهمية الضوء على المجموعات العصبية.نوبل للطب◄ 107 مرات وزعت جائزة نوبل للطب، وغابت في تسع سنوات. ◄ 39 مرة منحت الجائزة لفائز واحد، و32 مرة منحت مناصفة لفائزين اثنين، و36 مرة توزعت على ثلاثة فائزين. ◄ أصغر الفائزين بنوبل للطب هو الكندي فريدريك بانتينغ الذي فاز بجائزة عام 1923 وعمره 32 عاما. ◄ أكبر الفائزين بنوبل للطب هو الأميركي بايتون روس الذي فاز بجائزة عام 1966 وعمره حينها 87 عاما. ◄12 إمرأة فزن بجائزة نوبل للطب. توصل روزباخ إلى أن هناك مجموعة فرعية واحدة حساسة للضوء عند الفجر، ومجموعة فرعية أخرى حساسة للضوء عند الغسق، فظهر له أن خلايا الفجر تعزز الإثارة وتحفّزها، فيما تعزز خلايا الغسق النوم. وبالتالي كان اكتشاف الجين المسؤول عن هذه العملية مهماً جداً لأن روزباخ وزميلاه وجدوا أنه يصدر الأمر في إنتاج بروتين معين ليلاً، فيتكدس في الخلايا، ثم تصدر الأمر باستهلاكه نهاراً، ثم اكتشفوا بروتينات أخرى عدة تلعب دوراً أساسياً في وتيرة الأفعال الحيوية وفق توقيت بيولوجي بالغ الدقة. نظام الجسد تأتي أهمية هذا الاكتشاف أن الساعة البيولوجية وآليتها كانت الشغل الشاغل منذ عام 1984 للعلماء وتحديداً لهؤلاء الثلاثة المبدعين، لذا يبدو مهماً ومفصلياً جداً اكتشاف آلية النظام الجسمي اليومي “الليلي والنهاري”. فالساعة البيولوجية هي المسؤولة عن ضبط إيقاع الأفعال الحيوية الصادرة عن كافة الكائنات الحية عبر ما يعرف بالتواتر اليومي، إضافة لتحكمها الدقيق بالتواؤم مع العناصر المختلفة التي تحيط بنا، كالبيئة والضوء ودرجات الحرارة ودورات التأكسد المختلفة. علمياً فإن مفهوم “سيركاديان ريتم”، أو “الساعة البيولوجية” يجري البحث علمياً عن أسراره وتفاصيله منذ القرن السابع عشر، حيث تم حينها وضع نبتة من أحد أنواع الأكاسيا في غرفة معتمة تماماً. رغم ذلك، وفي ساعة الشروق، بدأت النبتة تفتّح أوراقها مثلما اعتادت عليه في الطبيعة. ففطن العلماء إلى أن النبتة “أدركت” أن الوقت حان لفتح أوراقها. ما يعني احتواءها على “ساعة تنبيه داخلية”. رفيقا روزباخ عندما سئل روزباخ عن ردة فعله بمعرفته بنبأ فوزه بالجائزة قال “أيقظني رنين هاتفي وأنا أغط في نوم عميق، كان المتحدث توماس بيرلمان الذي أبلغني بالخبر. قلت له أنت تمزح، لكنه أكد لي، فصُدمت وكنت ألهث فقالت لي زوجتي: ابدأ بالتنفس″.يميط روزباخ اللثام عن أن هناك مجموعة فرعية واحدة من الخلايا العصبية حساسة للضوء عند الفجر، ومجموعة فرعية أخرى حساسة للضوء عند الغسق، موضحا أن خلايا الفجر تعزز الإثارة وتحفزها، فيما تعزز خلايا الغسق النوم وعن أهمية الاكتشاف يقول روزباخ إن “كل شيء هو نفسه الغلاف الجوي والتغذية والأرض تدور حول محورها ودورة مظلمة معيقة في بدايات الحياة، لكنّ الأمر كان يشغلنا لدرجة أننا لم نفكر في أنفسنا فكانت الخطوات بطيئة تتطلب الكثير من الصبر والانتظار والفشل أحياناً، لكننا كنا فريق عمل مهاري جيد ومتفاهم تربطنا صداقة متينة”. العالم الثاني الفائز بالجائزة هو مايكل يانغ الذي ولد عام 1949 بميامي في فلوريدا وقد نال شهادة الدكتوراه عام 1975 من جامعة تكساس، يانغ بدا مرحاً ومتواضعاً في ردة فعله على خبر فوزه بجائزة نوبل للطب. قال إن “هذا جنون. لقد قلت لبعض الأصدقاء لست متأكداً من الخبر حتى الآن. يبدو أنني بحاجة لاستعادة نفسي قليلاً. لازلت في مرحلة التساؤلات هل حدث هذا حقاً؟”. وعن الساعة البيولوجية يقول يانغ “لقد ذهبت إلى ستانفورد لكي أتعلم كيفية استخدام هذه التكنولوجيا التي كانت صرعة علمية في سبعينات القرن العشرين، ثم طورت عملي في مختبر روكفلر باحثاً في عمق إيقاعات الساعة البيولوجية، ولصعوبة العقبات التي واجهناها اعتقدت لوهلة أننا يمكن أن نتوقف عند تحليل سلوك معين ونكتفي، لكن كنا محظوظين جداً عنما تمكنا من العثور على الجينات المسؤولة عن ذلك وفصلها، كنا أنا وجيفري وروزباخ نشجع بعضنا البعض في لحظات الإحباط التي مرت بنا، حتى بلغنا القمة. إنه أمر لا يصدق لم أكن أتخيل أنني سأبلغه”. أما جيفري هول فقد ولد عام 1945 في نيويورك ونال شهادة الدكتوراه من جامعة واشنطن في سياتل عام 1971، وتابع بحوثه العلمية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا. وهو يقول عن فوزه بالجائزة “لقد أخذ كشف آليات إيقاع الساعة البيولوجية حوالي نصف عملنا، والآن أصبح الأكثر شهرة بين إنجازاتنا البحثية، ولكي ننجح كان علينا أن نبني علاقة صداقة وثيقة في البداية وتكون اهتماماتنا البحثية محورا رئيسيا من محاور هذه الصداقة، ورغم ذلك لم نبدأ العمل معاً إلا بعد مرور سنوات على الصداقة هذه بعد أن تأكدنا من خلفياتنا العلمية ومهاراتنا، ومدى تكاملها في العمل معاً”. ويمازح هول الصحافيين بالقول إن “الفائز الرابع بالجائزة هو هنا. إنها ذبابة الفاكهة التي كانت مساهمة رئيسية لعقود من الزمن في أبحاثنا، فهي تستحق أن نرفع لها القبعة”. كما هو الحال دائماً في أيام نوبل المثقلة بالمفاجأت والأفراح والإحباطات، فإن هناك قائمة تبقى على لائحة الانتظار، ولا تنال شرف الحصول على هذه الجائزة الهامة. في جائزة نوبل للطب 2017 كانت هناك اكتشافات مهمة جداً أيضاً لكنها بقيت على أعتاب الجائزة لامستها ولم تنلها، مثل أعمال جيمس آليسون وغوردون فريمان وآرلين شارب، وهؤلاء كانت لديهم اكتشافات مهمة في مجال مرض السرطان، كذلك العلماء جنيفر دودنا وإيمانويل كاربنتر وفينغ تشانغ الذين حققوا اكتشافاً متقدماً في نظام تحرير الجينات.
مشاركة :