ولدت في 17/ 02/ 1961 م، يوم الجمعة غرة شهر رمضان المبارك لعام 1380 هـ، ولعلها كانت بشرى خير وبركة، فقد تحصلت الكويت على استقلالها من الانتداب البريطاني بعد ولادتي بسبعة أيام تقريبا؛ فارتبط عمري بعمر احتفالية العيد الوطني لدولة الكويت سنويا.لا شك أن الوضع العربي لم يكن بحال صافية أو مستقرة، فهناك تجاذبات سياسية وهناك استعدادات عسكرية لمواجهة العدو الصهيوني الذي اجتاح فلسطين عام 1948، ونكـّل بأهلها وشرّدهم وهجّرهم وهدم بيوتهم وصادر أراضيهم وأملاكهم.كانت هذه الفترة من سني عمري الأولى قد رسمت ملامح شخصيتي العروبية والقومية والإسلامية، حتى جاءت النكسة أو قل الهزيمة النكراء للعرب مجتمعين سنة 1967، في هذه السن الغضة لم نكن نعيها جيدا، ولكن ذاكرتي تسعفني قليلا في خبر وفاة قائد الأمة العربية والإسلامية جمال عبد الناصر، وبالتحديد مكان السفارة المصرية في شارع الاستقلال، ونحن مكوثا في سيارة والدي، ننظر إلى النسوة وهن بلباس الحداد الأسود قد خرجن من بين البيوت وعبرن الشارع متجهات إلى السفارة المصرية ولم يتوقفن عن البكاء والنحيب. اكتظ محيط السفارة بالناس وخيمت أجواء الحزن والألم والأسى.جاءت تباشير النصر عام 1973، بعبور الجيش المصري البطل لقناة السويس، وكسر أنف الغطرسة الإسرائيلية ومرّغ جباههم بالتراب، بقيادة رجل الحرب والسلام محمد أنور السادات، رئيس مصر.بفضل من الله سبحانه وتعالى، ثم بكرم من المغفور له الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح، كرم الله مثواه، احتضنت الكويت، المهاجرين الفلسطينيين من دفعت 1948 وما بعدها، واستوطنت الكويت كبرى العوائل الفلسطينية من مثل (شحيبر، الشوا، بسيسو، الجبر، الغول، الأغا، النابلسي، الفرا... وغيرهم الكثير) الذين كان لهم الفضل بلا شك في رقي ونهضة الكويت.تقاسمنا لقمة العيش معهم بحب وود، تعلمنا على أيديهم، وما زالت ذاكرتي تسعفني عام 1974، في مدرسة القادسية المتوسطة، كان ناظرنا فلسطينيا «وقتئذ»، يقف أمام باب مكتبه بنظارته السوداء، وبذلته المتناسقة والمتكاملة بأناقة، لا يتلفظ بأي لفظ بذيء، لا يصرخ، لا ينهر الطلاب، ولا يقوم بتوبيخ المعلمين، قد علم كل أناس مهنته ووجهته بصمت وهدوء، فكسب احترام الجميع. وأيضا أذكر معلم البلاغة والقراءة والنصوص في المعهد الديني بقرطبة الأستاذ إبراهيم أبو غوش، الذي درست على يده عام 1976، أقوى قصائد الثورة الفلسطينية، فكان يبث فينا الحماسة، ويؤجج فينا مشاعر حب الأرض والكرامة، ويؤصل فينا الاعتزاز بالهوية.نشأنا مع أبنائهم الذين ولدوا في الكويت، ترعرعنا معا، لعبنا في حواريهم التي قطنوا فيها وأغلبهم قد سكن حولي والنقرة، درسنا في المدارس الحكومية جنبا إلى جنب، الأكلات الفلسطينية كانت من أولى الأكلات التي تثقفت بها المائدة الكويتية.حركة التحرير الوطنية الفلسطينية «فتح» صناعة كويتية: تقول المصادر الفلسطينية إنه «في 20/ 09/ 1958، وصل خليل الوزير إلى الكويت، والتقى بياسر عرفات، تمخض عن هذا اللقاء اجتماع، ضم كلا من: خليل الوزير وياسر عرفات وعادل ياسين ويوسف عميرة وتوفيق شديد، اجتماعا تأسيسيا، واتفق على أن يأتي كل واحد بأشخاص جدد، وهكذا وضعت اللبنة الأولى لتنظيم فتح في الكويت. وبعد انسحاب توفيق شديد، اعتبر الأربعة الباقون أنفسهم، اللجنة المركزية العليا لحركة فتح بعد أن أضيف إليهم- غيابيا- عبد الله الدنان، الذي رشح اسمه، عادل ياسين وتحقق من موافقته في صيف 1960، في سورية... يذكر سليمان حمد أن أبرز دعاة فتح في الكويت اعتبارا من عام 1957، هم ياسر عرفات وخليل الوزير ويوسف عميرة، وفي السعودية عبد الفتاح حمود وقال أنه شخصيا انضم لفتح عام 1957، حيث كان يقيم في الكويت منذ عام 1953... ويقول خليل الوزير إن اجتماعا تأسيسيا ضمه مع عرفات وعادل ياسين ويوسف عميرة وتوفيق شديد في بيت أحدهم في الكويت، ووضعوا الخطوة العريضة الأولى لعملهم التنظيمي... وأكدت أم جهاد (انتصار الوزير) على هذا الاجتماع ووصفته بأنه اجتماع تمهيدي لتأسيس الحركة، وأنه حلّ في بيت عادل عبد الكريم ياسين في الكويت في عام 1958».القدس مدينة الأرض: اكتست مدينة القدس عدة ألقاب ومسميات منها: الأرض المقـدّسة، الأرض الشريفة، الأرض المباركة، قرية السلام، مدينة السلام، دار السلام، بيت المقدس، البيت المقـدّس، بيت القدس والقدس الشريف. وهي مدينة فلسطينية، «ولعل مرد ذلك ما تمثله أرض فلسطين في التراث والفكر العربي الإسلامي- دينيّاً وتاريخيّاً- من أهميـّة خاصـّة لم تعـد في حاجة إلى التكرار، إذ يكفي أن نعرف أنها كانت أولى القبلتين، كما تشكـّـل القلب من الجسد وما يرتبط به من شرايين رئيسة لا عمل له بدونه. كما أنها تتوسط محور: المدينة. بغداد. دمشق. القاهرة حيث أركان الدنيا الأربعة؛ وجهاتها الأصلية والأصيلة قولا وفعلا» أ.هـ. (هند البديري).أرادت الدكتورة هند أن تربط الحضارة بالمقدّس والمعتقد الديني؛ فدمشق حضارة إسلاميّة عربيّة أمويّة، وبغداد حضارة إسلاميـّة عربيـّة عباسيـّة، والقاهرة حضارة إسلاميـّة عربيـّة فاطميـّة. إلا أن أهل الجغرافيا قد استبدلوا دمشق بمكة المكرمة؛ فأصبحت العملية وبالتساوي معتقدين دينيين مقدسين (مكة والقدس)، وحضارتين إسلاميتين عربيتين عريقتين (بغداد والقاهرة)، يقول: «أهل الجغرافيا: إنه إذا رسمنا مثلثـاً تكون رؤوسه بمكة والقاهرة وبغداد، تكون القدس في القلب من هذا المثلث تماما؛ فهي قلب الحضارات والمعتقدات، وهي المدينة الطهور كما يعني اسمها، والوحيدة التي تجتمع فيها رموز الأديان السماوية الثلاثة؛ فهي العين التي استقى منها موسى عليه السلام، والدرب الذي شهد آلام المسيح عليه السلام، وهي معراج محمد عليه الصلاة والسلام، وهي فوق ذلك كله عاصمة السماء ومدينة الروح» أ.هـ (مجلة العربي)... وللحديث بقية!* كاتب وباحث لغوي كويتيfahd61rashed@hotmail.com
مشاركة :