القدس مدينة المدن: حظيت القدس منذ القدم بمكانة مميزة وخاصة، القدس جميلة الجميلات، القدس لوحة فنية تنبض بالحياة اليومية، شريان العلم في وصلها، قلب العالم في دفئها، ابتسامة طفل في صدقها، وصفتها مجلة العربي الكويتية قائلة «على سطح المدينة يوجد في المكان مراكز ممثلة لمعظم دول العالم، بل لكل مذاهب تلك الدول وطوائفها، وبالإضافة إلى السياح هنا أناس مقيمون جزء منهم من أبناء المدينة، يشكلون فسيفساء المدينة. في شوارع القدس القديمة يصل إلى سمعك لغات قديمة ولغات تخص الرهبان على تعددية كنائسهم العالمية والمحلية التي تتبعها. سبع وعشرون طبقة حضارية؛ حضارات تراكمت حجارتها بعضها فوق بعض. سطح المدينة هو سطحها الآن لكن قلبها قديم»أ.هـ. وبأسلوب شجي يدغدغ المشاعر الإنسانية، ويداعب القيم الأخلاقية، ويوقظ خصلة الخير، وينزع ما في النفس من غل وحقد وكراهية، يقول الدكتور ساري نسيبة «أتاها عمر، هكذا قيل، وبعض من الصحابة الذين نستل جذورنا منهم، أتاها، كما قيل، ماشيا على الأقدام، يتبادل الركب على الجمل مع غلامه، يا لهذا المشهد من مغزىً، فكأنه في الراوية يؤكد مقولتين، أولاهما وضاعة الإنسان مهما بلغ شأنه أمام هذه البقعة القدسية، فليست كغيرها تخضع للسيف أو المنجنيق، بل يطرق بابها خاشعـاً، مسالمـاً، وثانيتهما فهي مساواة الإنسان مع أخيه الإنسان في المقياس الكوني، فلا توجد هنا تفرقة بين مقام إنساني رفيع، وآخر وضيع، بل الخليفة، أمام الخالق، كالغلام، يتساويان في إنسانيتهما، لا يفرق بينهما لقب أو مقام أو وسام. فمسح بثوبه القمامة من على الصخرة، تلك المعلقة بين السماء والأرض، والتي وضع آدم قدمه عليها أول ما هبط من الجنة وصعد منها الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الحضرة الإلهية، ورمى بحجره بعيداً عن القيامة لتحديد مع مجانب للكنيسة لإقامة صلاة المسلمين. وقيل أيضا، من جملة ما قيل، كما ورد في وثائق الجنيزة، وعلى لسان أرباب اليهود أنفسهم، بأنه لم يعط الأمان للروم وكنائسهم فحسب، وإنما فتح أبواب المدينة لليهود، الذين كان البيزنطيون قد منعوهم من دخولها لبضعة قرون»أ.هـ. هذه هي القدس وحكايتها مع الأرض و مكانتها بين المدن يوثق لها الباحث بشار إبراهيم قائلا«القدس حكاية خمسة آلاف عام. مذ سكنها اليبوسيون... تاريخ متصل، تعبر الغزوات وتبقى راسخة في المكان والوجدان.. القدس الجبال والوديان والسهول والروابي.. أشجار الزيتون... الأبواب التاريخية... الأسواق العتيقة... الحارات الضيقة، العابقة بروائح المحبة والسلام. القدس نبض الروح، ولهفتها... مسلمين ومسيحيين ويهوداً. والعهدة العمرية التي بقيت ردحـاً من الزمان معلقة على جدران كنائس أوروبا.. القدس أمن وأمان.. سلام ومحبة بركة ورفقة وجمال... مآذن تحتفي بنشيد السماء... وكنائس تسبح للخلاص... مزارات. وأضرحة ومواسم أنبياء. القدس صوت الفلسطينيين وصورتهم. ذاتهم وهويتهم... ومعقد رجائهم، القدس بقيت دومـاً محط اهتمام الفلسطينيين في الحياة»أ.هـ. ويترجم الباحث أشرف أبو زيد، كلمات الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي قائلا: «يـُجـلّ كل المسلمين مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويبجل المسلمون الشيعة مدينتي كربلاء والنجف، ويقدّر الكاثوليك روما، ويعظم البروتستانت جنيف عاصمة روحانية، ويعتز اليهود بمدينة الخليل، ولكن مدينة القدس هي في قلب كل المسلمين والمسيحيين كافة. وقاطبة اليهود، إنها المدينة المقدسة للديانات السماوية الثلاثة، كما أنها وطن لآثار مقدسة في كل دين»أ.هـ. وتستقي مدينة القدس شرفها من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، يقول الدكتور علي سيد علي «لعله ليس من بلدان الدنيا بلد يحق لها أن تفاخر غيرها بما حوته من مقدسات كمدينة بيت المقدس، فهي موطن كثير من الأنبياء والرسل. يقول عنها القزويني (وهي المدينة المشهورة التي كانت محل الأنبياء وقبلة الشرائط ومهبط الوحي.. وما فيها من موضع شبر إلا وصلى فيه نبي أو قام فيه ملك...) كذلك يروي لنا ابن الجوزي أن الكثير من المحدثين يجمعون على أن الله عزّ وجلّ منذ خلق آدم إلى الدنيا لم يبعث نبيـًّا إلا جعل قبلته صخرة بيت المقدس، وقد صلى إليها نبينا صلى الله عليه وسلم. لذا فهي مهوى أفئدة المسلمين وقرة أعينهم، هذه المدينة التي يقـدّسها المسلمون مقـدّسة أيضا عند المسيحيين»أ.هـ. ويرسمها الدكتور ساري نسيبة، رئيس جامعة القدس قائلا: «القدس منجم حضاري، تؤدي أزقتها على الأرض وأنفاقها الملتوية والمتعرجة من تحتها إلى أبنية أو متبقياتها أو فقط إلى آثارها، تفوح جميعا بعبق المقـدّس المجهول، أمكنة معلقة في اللازمان، بين الأرض والسماء، فليست الصخرة التي كادت أن تلتصق بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في معراجه وحدها معلقة، بل المدينة بما فيها مكـسوّة بالمعلقات والمبكى وطريق الآلام، وكـلها معلقة بين الأرض والسماء، تتجـسّـد فيها النقائض، أو قل ذلك اللقاء اللامكاني بين الطبيعة وما وراءها، أو بين المسخـر للإنسان وذاك الذي يعجز أمامه، بين الماضي الغائب والحاضر الهالك والمستقبل اللامنظور»أ.هـ. وعن التسمية الأولى لمدينة القدس، يقول الدكتور أحمد صدقي الدجاني، إن «أول اسم ثابت لمدينة القدس، هو أور سالم، وقد ورد في نصوص مصرية تعود إلى عهد سنوسرت الثالث (1879 -1842 ق. م) ويعني هذا الاسم «العموري» «أسسها سالم»، وجاء ذكر «أور سالم» في ألواح تل العمارنة التي تضمنت ست رسائل بعث بها ملكها في القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى أخناتون فرعون مصر، ولم تلبث أن أخذت اسم«يبوس»نسبة لليبوسيين من بطون العرب الكنعانيين، وقد ورد في التوراة مرات»أ.هـ... وللحديث بقية! * كاتب وباحث لغوي كويتي fahd61rashed@hotmail.com
مشاركة :