أزور لندن سنوياً، وأحياناً غلاسكو منذ التخرج منها أواخر السبعينيات، ولا أذيع سراً إذا قلت إنني أفضلها على كثير من العواصم الأوروبية لما تتمتع به من تسامح وقبول للآخر وتنوع حضاري وعقائدي، فالنساء الخليجيات المنتقبات يسرن في الشوارع والحدائق دون مضايقة أو دفع غرامة مثلما يحدث في باريس وبعض المدن الأوروبية الأخرى، وكذلك في المتاجر الكبرى مثل هارودز وسيلفريجز يقوم بالبيع فيها مسلمات محجبات بكل احترام واعتزاز بملابسهن المحتشمة، لذلك أرى أن بريطانيا أكثر صدقاً مع علمانيتها من كثير من العواصم الأوروبية الأخرى التي لم تتحمل وجود النقاب في شوارعها، ولا الحجاب في مؤسساتها، فغيرت القوانين لكي تحاصر وتطرد هذه المظاهر المختلفة عنها، وتنكرت بذلك لادعائها العلماني السابق في حق الاختلاف. يوم السبت الماضي، تم إغلاق شارع "ريجنت" لمرور مظاهرة سياسية، وجلست في أحد المقاهي على الشارع أشاهد المظاهرة المناوئة لسياسة رئيسة الوزراء تريزا ماي، وفي المظاهرة رفعت شعارات مثل "الرأسمالية قاتلة" و"لا للتقشف" و"نعم لحقوق المهاجرين" و"لا لتقليل الرعاية الاجتماعية" و"المحافظون دمار"، ورفع هذه الشعارات في قلعة الرأسمالية ذكرني بمقولة كارل ماركس بأن بريطانيا ستكون أول دولة تعتنق الشيوعية، وبالطبع لم يصدق ماركس، ولكن يبدو أن هناك من لايزال عنده أمل في وصول الاشتراكية العلمية إلى السلطة في بريطانيا. وفي السبت الذي يليه، أغلقت شوارع ريجنت وبيكادللي وأكسفورد لمرور مسيرة الشواذ جنسياً الذين أزعجوا المارة بصراخهم وملأوا الشوارع بمخلفاتهم، وتم رفع أعلامهم على بعض المباني بما فيها الكنيسة المقابلة للفندق، وللأسف فإنه في بعض الدول الأوروبية يعتبر جريمةً استنكار حريتهم هذه، أو رفض خدمتهم في المحلات أو المطاعم، فيا لها من حرية ترتكب باسمها جريمة من أحط الجرائم الأخلاقية والبدنية. وفي نفس الأسبوع، نقلت أخبار العاشرة مساء في قناة "إي تي في" خبراً مفزعاً عن اكتشاف أن مبنى لإيواء الأطفال كانت تتم فيه جرائم اغتصابات وتعذيب جسدي للأطفال منذ الأربعينيات من القرن الماضي، حتى أوائل القرن الحالي، وذكرني هذا الخبر بخبر مشابه أثناء زيارتي في نفس الوقت من العام الماضي، حيث شغل الرأي العام خبر اكتشاف أن حالات اغتصاب كانت تمارس لسنوات طويلة في أحد الأديرة، وأن البابا تم إبلاغه بشأنها ولم يحقق بها ولم يحرك ساكناً. هذه الأخبار تؤكد أنه لا دولة في العالم تخلو من جرائم أو انتهاكات مهما كانت متقدمة، وقلت سبحان الله لو أن هذه الأخبار كانت في الكويت لقامت الدنيا ولقدمت استجوابات وطار وزراء ونصبت المشانق، فعلى الأقل نحن بحمد الله مازال لدينا ما نفخر به مما هو نابع من إسلامنا العظيم رغم السلبيات الكثيرة.
مشاركة :