ودع مونديال البرازيل أسبانيا الفائزة بكأس العالم الماضي وفي معيتها إنكلترا وإيطاليا واستراليا والبوسنة، ونظرا إلى التأويلات المتعددة حول كأس العالم، جرت المقارنة بين المنتخبات الأكثر شهرة والأقرب للفوز، كعادة الناس في كل محفل رياضي، ونتائج خالفت التوقعات، وأعادت ترتيب الجداول من جديد وحصر الفرق المتأهلة للأدوار التالية، وقراءة تروج لعصر رياضي جديد بكل شغف. ولا شك أن المونديال الفائت أو الذي سبقه لسنوات عديدة، اقتصرت المنافسة على دول أوروبا الغربية وأمريكا الجنوبية، وحُسمت النتائج بالتخمين قبل خوض المونديال لسيطرة تلك المنتخبات على المنافسة، ومنذ ذلك التاريخ وتلك الفرق تسير في حبور وتمشي كالطاووس وتنام على الأشجار العالية، ومع مغادرة أسبانيا من الدور الأول، فقد انطبق عليها منهج ديكارت وبعض قواعده، وهو الانتقال المنظم من المعروف والمبرهن عليه، إلى المجهول، الذي يتطلب البرهان. وبعبارة أدق لقد استحوذت أسبانيا على اهتمام ومتابعة العالم لأفضل دوري محترفين وبطولات أمم أوروبا، ونالت إعجاب العالم بأسرة. وحققت قاعدة جماهيرية كبيرة للغاية في الغرب والشرق، وكادت تقسم العالم إلى فريقين من أشهر أنديتها -ريال مدريد وبرشلونة-. وفي طراز آخر مبهر تأتي المكسيك كمتأهل ثان مع البرازيل وفي مجموعة كوستاريكا والاورغواي تأهلا وهزما ايطاليا وانكلترا، وتحققت غاية قصوى سعت إليها، وصفق لها بحرارة المجتمع الرياضي الذي يؤمن بالإنجاز وليس الأسماء، وبذلك توالت المفاجآت. ومن الأهمية بمكان أن ننتبه إلى مقتضى العقل عندما يلعب دورا رياديا في حركة العالم ويقوم على أساس اكتساب المرء لذاته، وليس لتاريخه الماضي، ويسمح بتنظيم الظروف حسب الأدوات الموجودة، والآلية المرجوة، وبلوغ الهدف بأكثر رغبة وإصرار وقوة، فإن الحق الطبيعي لكل إنسان أن يعمل وفق طاقاته وقوته ومصالحه، فالإنسان ليس حزمة من الوظائف المبرمجة. إن الأشياء التي نرغب فيها بمحض إرادتنا هي فحوى أمانٍ دفينة تختبئ في الصدور، وتشرق كلما أشرقت شمس الذات الطامحة، التي تهدف إلى غاية العودة -عودة الكبار- إذن، من أجل بلورة الأشياء وما يوجد بها من قيمة، ورأي، ومفهوم، نميز بين المنعطف الذي توقف عنده عمالقة الملاعب، والفرق الأخرى، التي عملت من أجل المحافظة على الموجود، وأدركت معنى تلك البلورة للواقع، ونفي الغموض الذي أدى إلى مستوى تقني وتكتيكي رفيع، حافظ على النتائج وكشف للعالم الغطاء الهلامي حول الأسماء التي أرهقها الانتصار ورفع الكؤوس، فتجرعت بلدانهم الهزيمة وغادرت المونديال من الأدوار الأولى. بيد أن هناك علاقة وثيقة بين العصر والاستعداد الرسمي والشعبي، للاحتراف الرياضي وقوانينه، والطبيعة التجارية، والربط بين التفاعل الرياضي والهيئات الرياضية وهذا ما لمسه العالم في عدد من اللاعبين والأدوار الناجحة التي قاموا بها في غير بلدانهم، ورفعوا رصيد الأندية التي شاركوا فيها إلى مصاف الأندية الشهيرة في العالم، حيث تم تحديد القيمة المادية حسب الجهد والبذل والإنجاز الكروي، ووضعت في ميزان مادي بحت، أشارت نتائجه الأخيرة إلى صفقات هائلة أثرت في حياة اللاعب ودوره في العالم، وظلت إضافة مقيدة لا تثمر إلا على الصعيد الشخصي والمادي للفريق واللاعب بنسبة كبيرة، واستنزفت قدرات وجهود الفرد، ما أوجد عروضًا باهتة مع منتخباتهم، وإمكانات متواضعة أذهلت العالم والمدربين.
مشاركة :