ما لم يقله السيد الوزير أنس الصالح هو أن هذا المبلغ المجهول الهوية قد بدأ بـ100 مليون دينار في عام 1992 وسكوت الحكومة وتقاعس مجلس الأمة والأجهزة الرقابية أوصلاه إلى 3.8 مليارات عام 2017، في دلالة واضحة على مبدأ «إذا غاب القط العب يا فار». صحوة حكومية – نيابية تزامنت مع استنفار إعلامي قوي بشأن توضيح الشبهات والملاحظات الواردة في تقرير لجنة الميزانيات البرلمانية الأخير حول مصير مبلغ خيالي وصل إلى نحو 4 مليارات دينار كمبالغ مجهولة الصرف، ومثل هذه الصحوة، ولو أنها جاءت متأخرة وبعد شهرين من إقرار الميزانية العامة للدولة، فإنها مهمة للغاية، لا للاطمئنان على المال العام فحسب، بل لحمايته وسد الثغرات الواسعة التي تعانيها شبكة الصرف المالي في الكويت، وضياع أموال الناس في العديد من القضايا والفضائح التي شابت الأداء الحكومي على مر الزمن. تصريحات السيد وزير المالية وبعض أعضاء اللجنة البرلمانية المختصة تصدرت وبالخطوط العريضة معظم الصحف اليومية في دلالة واضحة على التوجيه السياسي، فجاءت العبارات التالية كعناوين رئيسية: "لا اختفاء لأموال من الميزانية"، "عار من الصحة اختفاء الـ3.8 مليارات دينار"، "الحكومة تخمد شعلة استجواب الـ3.8 مليارات دينار"، وذلك في سياق تبريرات حكومية بأن المبلغ المذكور عبارة عن أموال حسابات العهد والتسويات لبعض وزارات الدولة، التي لم ترد مستندات صرفها بعد إنفاقها في حالات الضرورة، مثل شراء الأسلحة أو تكاليف العلاج بالخارج أو رواتب طلبة البعثات، كما أن هذا المبلغ عبارة عن أرقام تراكمية من ميزانيات سابقة، وأخيراً فإن مثل هذه العهد تأتي في إطار محاسبي نمطي ووفق قانون الميزانية رقم (31) لسنة 1978، وكذلك المادة (17) من قانون ديوان المحاسبة للتثبت من أوجه صرف تلك المبالغ. نتمنى بالفعل أن تكون هناك جدية في التعاطي مع هذه الملاحظات الخطيرة، خصوصاً أن هناك نية لتقديم استجواب بشأنها في دور الانعقاد القادم، رغم اطمئنان الحكومة إلى نتائج الاستجوابات مسبقاً، لأنها أخذت مصل التحصين مبكراً في هذا المجلس، ولكن على وزارة المالية وكذلك على مجلس الأمة المسؤولية الكبرى في إخماد هذا الخطأ الجسيم في ميزانية الدولة، وليس فقط إخماد الاستجواب بشأنه، وذلك لعدة اعتبارات، أولها أن وزير المالية لم يقدم أي ضمانة لعدم تصاعد مبلغ العهد في المستقبل، كما عبرت النائبة صفاء الهاشم، وهذا بحد ذاته نذير شؤم إزاء التصدي لمثل هذا الخرق المالي. ثانياً أن ما لم يقله السيد الوزير أنس الصالح هو أن هذا المبلغ المجهول الهوية قد بدأ بـ100 مليون دينار في عام 1992 وسكوت الحكومة وتقاعس مجلس الأمة والأجهزة الرقابية أوصلاه إلى 3.8 مليارات دينار عام 2017، في دلالة واضحة على مبدأ "إذا غاب القط العب يا فار"، وهذا لا يعكس مبدأ الجدية في التصدي لمثل هذه الإجراءات في الصرف بعيداً عن مبدأ الشفافية والرقابة المالية. ثالثاً أن الوزير المستنفر لم يذكر تحديداً أبرز الوزارات التي استمرأت اللجوء إلى حسابات العهد المشار إليها، علماً بأنها الجهات التي دائماً تثار حولها الملاحظات والشبهات المالية، وفي مقدمتها وزارتا الدفاع والصحة، بالإضافة إلى التحويلات الخارجية، وقصص هذه الجهات دائماً هي التي ارتبطت بذهن المواطن، الذي يحاول الوزير طمأنته الآن، بشأن قضايا الفساد في الدولة! شكراً سعادة رئيس مجلس الأمة على إعادة فتح هذا الملف، ونتمنى بالفعل متابعته إلى حين تصفير بدعة حسابات العهد في المستقبل!
مشاركة :