الطبقة الوسطى.. قلب العالم النابض وعنوان استقرارهيعرف عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر الطبقة الوسطى بأنها مجموعة الأفراد الذين يعيشون في مستوى اقتصادي واجتماعي يأتي بين الطبقة العاملة وطبقة الأغنياء؛ وهي اليوم الطبقة التي تشكل السواد الأعظم من سكان العالم والمحرك الرئيسي لتفاعلاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وحسب فيبر عادة ما يعتبر اتساع حجم الطبقة الوسطى في المجتمع أمرا إيجابيا في بنية المجتمعات، لكن هذه الإيجابية يجب أن تكون مقترنة بتحقيق حد أدنى من الرخاء، فحسب معادلة عالم الاجتماع الأميركي سيمور مارتن ليبست، التحول الديمقراطي مرتبط بنمو الطبقة الوسطى عبر التنمية الاقتصادية.العرب [نُشر في 2017/08/01، العدد: 10709، ص(13)] الطبقة الوسطى ظاهرة آسيوية واشنطن – في بداية القرن العشرين بلغ عدد أفراد الطبقة الوسطى العالمية حوالي 90 مليون فرد، ومع الثورة الصناعية وتطوراتها اتسعت رقعة هذه الطبقة لتصل اليوم إلى حوالي 3.3 مليار شخص ينتمون إلى الطبقة الوسطى العالمية. ومن خلال هذا الرقم تشكل الطبقة الوسطى أكبر مجموعة، وتستمر في الزيادة بنسق سريع. يرصد هذا التطور وولفانغ فانلغر الخبير في البنك الدولي، وهومي هراس الخبير الاقتصادي، ضمن إحصائيات ودراسات قام بها الخبيران ونشرها مؤخرا معهد بروكينغز. وتشير الدراسة إلى أن الطبقة الوسطى تسير في اتجاه الوصول إلى أربعة مليارات بحلول 2021، وخمسة مليارات بحلول سنة 2027، وهو ما يمثل 60 بالمئة من مجموع سكان العالم. يقسم فانلغر وهراس العالم إلى أربع مجموعات حسب الدخل: الفقراء المدقعين والفئة الضعيفة والطبقة الوسطى، والأغنياء. يعاني الفقراء المدقعون (أقل من 1.90 دولار في اليوم) من حرمان شديد بما في ذلك الجوع والأميّة والموت المبكر للأمهات والأطفال. أما الضعفاء أو القريبون من الفقر (من 1.90 دولار إلى 11 دولارا في اليوم) فقد تخلصوا من الفقر المدقع لكنهم لا يملكون موارد إضافية لينفقوها، وهم عرضة للعودة إلى الفقر إذا ما داهمتهم البطالة أو الجفاف أو المرض أو أي أزمة أخرى. ويمكن لممثلي الطبقة الوسطى (بين 11 دولارا و110 دولارات في اليوم) أن يأملوا في أن يعيشوا حياة كريمة ويتخلصوا من مخاوف الوقوع في الفقر المدقع. وتعرف هذه الطبقة أيضا بـ “الطبقة المستهلكة”، أي المجموعة التي يحرك طلبها للسلع والخدمات أغلب الاقتصاديات. وأخيرا، الأغنياء (أكثر من 110 دولارات في اليوم)، وهم يعيشون حياة رفاهية نسبية، وعادة يمكنهم توفير أي سلعة استهلاكية معيارية. كثيرا ما يهتم صانعو السياسات والإعلام بالمجموعتين على طرفي التصنيف، أي بمحاربة الفقر والمحافظة على الحياة الراقية عند الأثرياء. ويذكر أن المجتمع الدولي جعل من وضع حد للفقر المدقع بحلول 2030 أحد أهدافه الكبرى، لكن أكثر من 90 بالمئة من سكان العالم ينتمون إلى المجموعتين في الوسط حيث تحدث معظم الحركة بين المجموعات.فرانسيس فوكوياما: وضع الطبقة الوسطى يحدد من خلال التعليم. وأفرادها لا يريدون الأمن فقط ولكن الخيارات والفرص أيضا أهمية الطبقة الوسطى على الرغم من حديث بعض الناس عن تراجع الطبقة الوسطى في البلاد الغربية، فالحقيقة أن الطبقة الوسطى العالمية تنمو بسرعة غير مسبوقة، ففي كل ثانية يدخل خمسة أشخاص جدد الطبقة الوسطى. ومع صعود الأشخاص سلم الدخل تتناقص مجموعة “قريب من الفقر” بنسق مماثل. وكانت من أهم النتائج التي أفرزتها المعطيات التي قام فانلغر وهراس بتحليلها ودراستها: * في منتصف سنة 2017 كان هناك 3.5 مليار شخص في الطبقتين المتوسطة والعليا، وسيصل هذا العدد إلى 5.6 مليار بحلول 2030 (زيادة بحوالي 60 بالمئة). * صعود الطبقة الوسطى ظاهرة آسيوية في الغالب: 87 بالمئة من المليار المقبل من الداخلين إلى هذه الطبقة سيكونون آسيويين. * إذا كان لشركة ما مليار حريف اليوم (لديهم أكثر من 11 دولارا من تعادل القدرة الشرائية في اليوم)، من المفترض أن تكون الشركة قادرة على جذب 1.6 مليار حريف بحلول 2030. لكن الحفاظ على النصيب من السوق العالمية سيتوقف أساسا على جذب الداخلين الجدد إلى الطبقة الوسطى الموجودين في معظمهم في الصين والهند. * ستتحول سوق الطبقة الوسطى العالمية أيضا نحو الطرف الأدنى بتخرج الأميركيين والأوروبيين ويصبحون أغنياء ويحل محلهم الآسيويون ذوو الإنفاق المتدني. ولن يتراجع هذا الاتجاه إلا بعد قرابة ست سنوات، ثم سيتسبب النمو في آسيا في زيادة مطردة للقدرة على الإنفاق لدى المستهلك من الطبقة الوسطى. كتب الكثير عن أهمية الطبقة الوسطى في الاستقرار الاجتماعي والتجديد الديمقراطي. ويوضح فانلغر وهراس في دراستهما أن ما يحدث لهذه الطبقة له علاقة كبيرة ومتزايدة بالنسبة إلى الأعمال. تقريبا كل شركة دولية ترغب في زيادة نشاطها في حاجة إلى أن تستهدف الطبقة الوسطى، وذلك لأنه لا يوجد من الأثرياء إلا عدد محدود في العالم (حاليا قرابة 190 مليونا). وهذا العدد لا يسمح لهذه الشركات بتحقيق الأرباح الكافية عن طريق إسداء الخدمات لهم وحدهم. وإذا دخل الفرد الطبقة الوسطى سيكون لديه البعض من المال الإضافي الذي يمكنه صرفه لتلبية حاجيات تتجاوز الأساسيات، مثل شراء لعبة لطفل أو ربما الذهاب إلى مطعم أو السينما. والانتقال إلى استهلاك اللحم والدجاج والذهاب في إجازة والسفر بالطائرة لمقابلة أصدقاء أو أفراد من العائلة، وهي كلها جزء من تجربة الطبقة الوسطى، كما هو الشأن بالنسبة إلى صرف المال على الصحة والتعليم والتأمين. على المستوى العالمي، يبلغ استهلاك الطبقة الوسطى قرابة 37 ترليون دولار، وهو ما يجعلها تساهم في النمو العالمي أكثر من أي عنصر آخر من عناصر الطلب. لكن الشيء الأهم بالنسبة إلى عالم الأعمال هو تقسيم الطبقة الوسطى إلى قطاعات متمايزة. المنتوجات المختلفة تجذب مجموعات دخل مختلفة. فهم تجزئة وتفاصيل المعطيات (وهو شيء أصبح ممكنا حاليا) يقدم قيمة أكبر.على المستوى العالمي، يبلغ استهلاك الطبقة الوسطى قرابة 37 ترليون دولار، وهو ما يجعلها تساهم في النمو العالمي أكثر من أي عنصر آخر ويتوقع الخبيران أن يستمر الصعود الاقتصادي لآسيا أكثر من أي وقت مضى، وتشهد أفريقيا زخما ديمغرافيا قويا، ويتوقع البنك الأفريقي للتنمية أن تزيد طبقتها المتوسطة عن 300 مليون شخص؛ كما تتوسع الاقتصاديات في الأميركتين وفي أوروبا، وإن كان ذلك بنسق أبطأ بكثير. لكن ومثلما تشكل هذه الطبقة قلب العالم والدينامو الذي يحرك اقتصادياته، تعتبر أيضا مصدر قلق وتهديد وعدم استقرار في ظل إحساس متصاعد من هذه الطبقة بغياب العدالة الاجتماعية وضعف الاهتمام بحقوقها ومتطلباتها، وهو تحد سيزيد في ارتفاع عدد هذه الطبقة. قائدة الثورات يذكر المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما في مقال له نشره في صحيفة ووال ستريت جورنال في خضم تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية في أنحاء كثيرة من العالم، من أوروبا إلى الشرق الأوسط، وفي الأميركيتين وآسيا، أن وضع الطبقة الوسطى يحدد بشكل أفضل من خلال التعليم والمهنة وملكية الأصول، وهي عوامل تعتبر بدورها أكثر موضوعية في توقع السلوك السياسي. ويضيف فوكوياما أن أفراد الطبقة الوسطى لا يريدون الأمن فقط لأسرهم ولكن الخيارات والفرص أيضا. أولئك الذين أنهوا المرحلة الثانوية أو أولئك الذين زاولوا التعليم الجامعي هم على بينة أكثر بكثير من الأحداث في أجزاء أخرى من العالم، وعلى تواصل مع أناس من طبقة اجتماعية مماثلة في الخارج من خلال التكنولوجيا. الأسر التي لديها أصول دائمة مثل المنزل لديها اهتمام أكبر بكثير بالسياسة. الطبقات المتوسطة تميل إلى دفع الضرائب، لذا لديها مصلحة مباشرة في جعل الحكومة خاضعة للمساءلة. الأهم من ذلك، الأعضاء الذين وصلوا حديثا إلى الطبقة الوسطى هم أكثر تحركا وفقا لما أسماه أستاذ العلوم السياسية الراحل صامويل هنتنغتون “الفجوة”؛ بسبب فشل المجتمع في تلبية توقعاتهم بارتفاع سريع للنهوض الاقتصادي والاجتماعي، في حين يناضل الفقراء من أجل البقاء من يوم إلى يوم، فإن الناس الذين خابت آمالهم في الطبقة الوسطى هم أكثر عرضة للانخراط في النشاط السياسي للحصول على مطالبهم.3.3 مليار شخص ينتمون إلى الطبقة الوسطى العالمية، و37 ترليون دولار قيمة استهلاك هذه الطبقة كان هذا واضحا في دينامية الربيع العربي، حيث يقول فوكوياما “يجب ألا نندهش من أن المحركين الرئيسيين للربيع العربي كانوا من المتعلمين التونسيين والمصريين الذين لديهم مطالب خاصة بفرص العمل والمشاركة السياسية”. قامت الانتفاضات المطالبة بتغيير النظام من قبل عشرات الآلاف من الشباب المتعلمين، فقد أنتجت كل من تونس ومصر أعدادا كبيرة من خريجي الجامعات على مدى الجيل الماضي، ومع مرور الوقت بات هذا الجيل يرفض ممارسات الأنظمة التي تقوم على المحسوبية والرأسمالية الكلاسيكية، فيما لم تتطور البلدان بسرعة كافية اقتصاديا لتوفير فرص عمل لأفواج متزايدة من الشباب، وكانت النتيجة ثورة سياسية. ويذكر فوكوياما أن هذه الأحداث ليست ظاهرة جديدة، مستحضرا الثورات البلشفية والصينية والفرنسية التي قادها أفراد ساخطون من الطبقة الوسطى، وإن كان مسارها تأثر في وقت لاحق بالفلاحين والعمال والفقراء. في “ربيع الشعوب” (1848) اندلعت الثورة تقريبا في كل القارة الأوروبية، وهو نتاج مباشر لنمو الطبقات المتوسطة الأوروبية خلال العقود السابقة.
مشاركة :