كذبت إيران كثيرا مستعملة أدوات الخطاب الطائفي. غير أنها وبعد ابتلاعها العراق ولبنان معا، لم تعد في حاجة إلى أن ترهن أدواتها لخطاب صار مستهلكا.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/08/02، العدد: 10710، ص(9)] غالبا ما تحاول إيران الرسمية أن توازن بين خطابين، الأول موجه إلى دول المنطقة، والثاني توجهه إلى العالم الخارجي وبالأخص إلى الغرب. أما خطاب الولي الفقيه وهو مرشد الثورة وحامل لواء عصمتها فإنه وإن كان ملزما للداخل لا يحظى بكثير اهتمام من قبل الدوائر السياسية في العالم. تتشدد إيران حين يتعلق الأمر بدول المنطقة وتتخلى عن خطاب الدولة لتلجأ إلى لغة الميليشيات. أما حين يتعلق الأمر بالغرب فإن الدولة تحضر بقوة من خلال لغة دبلوماسية ناعمة. وفي الحالتين فإن إيران تمارس الكذب. إيران العقائدية إلى درجة التشبث بأصغر المفردات الطائفية وأكثرها رثاثة وهزالا وسطحية، هي ليست إيران الساعية إلى الاندماج في عالم معولم تحركه قوة السوق وتحكمه القوانين العلمية التي أخذت طريقها إلى برنامجها النووي، محل الشبهات. من الخطأ المزج بين الإيرانين للخروج بإيران واحدة، فتلك معادلة لا يمكن البرهنة على وجودها واقعيا. وذلك لأن إيران في حقيقتها ليست دولة عقائدية وهي في الوقت نفسه ليست دولة تقيم للعلم وزنا. لقد اتخذت إيران من العقيدة ذريعة للغزو تحت شعار تصدير الثورة وهو ما جعل الطريق إلى القدس تمرّ بكربلاء، حسب مقولة الخميني، وهو ما يعني عدم الاعتراف بسيادة الدول. أما على الصعيد العلمي فقد سخّرت إيران العلماء لخدمة مشروعها النووي حصرا، ولم تتخذ من العلم وسيلة لتفسير الحياة، بل ظلت متمسكة بالتفسير الديني الذي يضع عصمة الولي الفقيه فوق علم العلماء. وإذا ما كان الغرب قد نجح في وضع إيران تحت الرقابة من خلال الاتفاق النووي وهو ما يعني أن هامشها في الكذب صار أضيق مما كان عليه من قبل، فإنها لا تزال تصدر أكاذيبها إلى دول المنطقة من خلال جماعاتها المسلحة التي هي في حقيقتها منصات لحرب طائفية طويلة الأمد.أما على الصعيد العلمي فقد سخّرت إيران العلماء لخدمة مشروعها النووي حصرا، ولم تتخذ من العلم وسيلة لتفسير الحياة وليس من باب التحريض القول إن أملا في استعادة إيران باعتبارها دولة جارة هو فكرة خاوية من أي معنى، ولا تعبّر إلا عن موقف سلبي هو عينه الذي سبق له وإن أدى إلى استفحال الداء الإيراني في المنطقة. بعد أهوال الحرب العراقية الإيرانية صمتت الدول العربية في مواجهة المشروع الإيراني الهادف إلى الهيمنة الإيرانية على المنطقة بدءا من دول بعينها. من المؤكد أننا ندفع ثمن ذلك الصمت اليوم. لقد غزتنا إيران وهي تمثل قوة احتلال في العراق على الأقل، بحيث صار من حقها أن تطالب على لسان قائد حرسها الثوري “بطرد العرب من العراق وإعادتهم إلى الصحراء التي قدموا منها”. وكما يبدو فإن إيران بعد أن تمكّنت في العراق، وجدت أن في إمكانها أن تعلن عن حقيقة عدائها للعرب بعيدا عن خطابها الطائفي. ذلك الخطاب لم يكن إلا وسيلة للغزو. أما وقد انتهت تلك المرحلة باستتباب الأمر لإيران في العراق فإن شيعية العربي لم تعد صفة تدعو إلى الرضا الإيراني. المطلوب إيرانيا أن يكون الشيعة العرب أتباعا مذلين للدولة الفارسية التي تم الإعلان عنها في غير مناسبة، وكانت بغداد عاصمتها حسب الإعلان الإيراني. سوى ذلك لن يكون إلا نوعا من الكذب على الذات. طائفية إيران هي واحد من جسورها إلى المنطقة ليس إلا. وليست منطقة الهلال الشيعي التي تشير إلى واقع النفوذ الإيراني إلا جزءا من الإمبراطورية التي يُخيّل للفرس أنهم في طريقهم إلى استعادة أمجادها. لقد كذبت إيران كثيرا مستعملة أدوات الخطاب الطائفي. غير أنها وبعد ابتلاعها العراق ولبنان معا، وبعد أن تحوّلت إلى جزء من مشكلتي سوريا واليمن لم تعد في حاجة إلى أن ترهن أدواتها لخطاب صار مستهلكاً. لقد صار واضحا أن مشروع إيران الشيعي هو الخطوة الأولى لقيام إمبراطورية فارس. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :