الكيان المعلق على صحة سيادته بقلم: عدلي صادق

  • 8/2/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بسبب تحسس الخطر على السلطة نفسها كلما توعك عباس، يرى البعض المقرب منه، بدل الحديث بشجاعة عن خطر غياب المؤسسات الدستورية؛ يلجأ إلى قراءة نتائج الفحص، ويعطينا أرقاماً مختبرية، عن حُسن الضغط واعتدال الكوليتسرول.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/08/02، العدد: 10710، ص(9)] بين الحين والآخر، يأخذ الفلسطينيون علما، بأن الرئيس محمود عباس، نُقل أو انتقل إلى مُجمَّع رام الله الطبي. وفي محاذاة النبأ، تشتعل برامج التواصل بالتكهنات والرجاءات في وجهتي الخير والشر. وسرعان ما تعرض شاشات التلفزيون، صورة الرجل وهو يغادر مشيا على الأقدام، ومعه طبيب القلب الفلسطيني الغزي النطاسي محمد البطراوي، لترتسم مفارقة مزدوجة، إحداها أن مركز رام الله الطبي، الذي يلجأ إليه عباس، يُجسد في واقعه حجم الفشل الفادح، لسلطته، في تنمية أحد أهم قطاعات الخدمات. أما الثانية، فيمثلها وجود اثنين في رام الله، من أبرع جراحي القلب في المشرق العربي قاطبة، وهما البطراوي وضرغام أبورمضان، وكلاهما من أبناء غزة التي جعلها الرئيس محمود عباس، هدفا لاختبار قدرته على إيلام الفلسطينيين وحرمانهم وإنكار عطاءاتهم ومآثرهم وحقوقهم. وليت الأمر يقتصر على هذه المفارقة المزدوجة. فهناك المأزق الذي يُذكّرنا به، نقل عباس أو انتقاله إلى مجمع رام الله الطبي، وهو أن الكيان الفلسطيني كله، بات معلقاً على نتائج فحوصات سيـادته، وعلى ابتسامة الدكتور البطراوي لحظة الخروج من العنابر. ومن نافلة القول، بمفردات السياسة وبتوصيفات الدولة، أن الرجل العجيب، لم يسمح بوجود محفل أو منبر أو مجلس، كما في الدكتاتوريات، يكون جديرا بعقد جلسة طارئة، لها أصولها المرعية التي لن يعترض عليها أحد، للإعلان عن وفاة الدكتاتور، وتكليف رئيس المنبر أو المجلس، بمسؤوليات الحكم رمزيا ولفترة ستين يوماً، إلى حين انتخاب مسؤول أول جديد. فعندما كان الراحل حافظ الأسد، هو كل السلطة، لم يكن من الغباء والغرور، إلى درجة التغاضى عن وجود مجلس للشعب يصلح لجعل الإعلان عن موته إعلان دولة، من خلال مؤسسة دستورية عليا، تقرر من يخلفه. فالمجلس التشريعي الفلسطيني مضروب على قفاه، ممنوع من الالتئام، وعدد من أعضائه في الضفة ممنوع من السفر، تماما مثلما يجري مع المدانين جنائيا والموقوفين على قضايا أخرى. وأصحاب الرأي المخالف أو أصحاب الاجتهادات، مقطوعة رواتبهم بجريرة مخالفتهم لابن ماء السماء، الذي توغل في طلب الرضوخ من الطبقة السياسية، على النحو الذي لم يطمح إليه أباطرة منتصرون وملوك وطغاة. رُبّ قائل إن منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة برلمانها “المجلس الوطني”، هما اللتان يمكن لهما أن يجتمعا للإعلان عن الوفاة. علماً بأن الرئيس الباهر، لم يستطع أو لم يرغب في انعقاد هذا المجلس في حياته، بكل من تبقوا من أعضائه الماكثين منذ نصف القرن. وإن كان الفلسطينيون مضطرين لارتجال اجتماع للإطار الوسيط بين المجلس الوطني واللجنة التنفيذية، أي “المجلس المركزي” يصبح السؤال: أين ينعقد الاجتماع؟ ومن الذي يضمن في حال عقده برام الله، أن يصل الرجل المحترم سليم الزعنون، رئيس المجلس الوطني إلى رام الله سالماً معافى، وقد أوشك على الدخول في عامه التسعين. أما نائبه تيسير قبعة، فقد انتقل إلى الدار الآخرة، مقطوعاً راتبه محكوماً عليه بالإقصاء. ما العمل، في حال خروج الدكتور البطراوي من العنابر متجهماً؟ إن عباس الذي أحكم قبضته على النظام السياسي الفلسطيني، في المنطقة المحتلة، التي يخرج منها ويعود إليها آمناً ولا مجال فيها لحراك شعبي إلا ضد الاحتلال في أقصى حالات الغضب؛ لم يحسب حساب الضرورة التي تقتضي وجود منبر أو مجلس يحترمه الناس، يعلن عن كونه ملتزماً سرير استشفاء أو مرحوماً مأسوفاً عليه. كان المفترض إن لم يكن راغباً في استذكار الموت، أن يكون حريصاً على حماية الموالين وحماية المجتمع، من فتنة تأكل الأخضر واليابس، وتفتح المجال لظهور روابط قرى مستقوية بالاحتلال، تضرب التجمعات الشبابية المناوئة للعدو. فلا انسجام في لجنة عباس المركزية، ولا ثقل للجنة التنفيذية، ولا وجود لمجلس تشريعي في مساحة سيطرته، ولا منبر يمكن أن يجتمع ويكون وازناً سياسياً وذا صدقية، اللهم إلا إن أتيح لنائب من حماس أو فتح، أن يأتي على نفسه، في انعقاد للمجلس في غزة، فيؤبن المرحوم ويدعو له بالمغفرة. اليوم، ومع الإعلان عن كون سيادته في صحة جيدة، يتبدى الكيان الفلسطيني، مجرد سلطة، ذات قوام أمني ينسق مع الاحتلال، وأبعد شبهاً عن النظام السياسي الوطني. وبسبب تحسس الخطر على السلطة نفسها كلما توعك عباس، يرى البعض المقرب منه، بدل الحديث بشجاعة عن خطر غياب المؤسسات الدستورية؛ يلجأ إلى قراءة نتائج الفحص، ويعطينا أرقاماً مختبرية، عن حُسن الضغط واعتدال الكوليتسرول وروعة منسوب السكر في الدم، بمعنى أن الرجل يتمتع بصحة الشباب الرياضي أو لاعبي كرة القدم، وكأن أحداً، يريد لمحمود عباس أن يموت، على طريقة اليائسين المفلسين، الذين يريدون لخصومهم أن يموتوا. لا شماتة في المرض، ولا خُلق في طلب الموت لعباس أو غيره ممن أطاحوا كل قيمة ومنظومة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني. لكن الرثاء واجب على حال الكيان الفلسطيني، مثلما بات واجباً، التذكير بالرزايا وكشف مخاطرها!َ كاتب ومحلل سياسي فلسطينيعدلي صادق

مشاركة :