مندي على أصوله بقلم: عدلي صادق

  • 10/22/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

من خلال اسم مطعمه أراد محمود أن يقول إن المندي في الحواضر خارج عن الأصول، على الأقل لكونه بلا حُفر، كما في ريف الضفة ورمال غزة. فالحفرة هي المبتدأ والخبر.العرب عدلي صادق [نُشر في 2017/10/22، العدد: 10789، ص(24)] هو، أصلا، من مجدل عسقلان الكنعانية الفلسطينية التي عُرف أهلها بالمهارة وقوة الشكيمة والقدرة على العمل في أي ظروف. فعسقلان إحدى أقدم مدن العالم، تقع على الطريق الساحلي بين الإسكندرية وحيفا. ولأن الجميع يعلم أنها تقوم وتتجدد، كلما هدمها الغزاة، فقد صمم غزاتها الأخيرون على ألا يبقى فيها مسلم أو مسيحي، فأمطروها من الجو بالبراميل المتفجرة، لكي يتشتت أهلها في الأرجاء القريبة. بقي رُبعهم لعامين بعد القصف، وفاوضها ذلك الرُبع توخيا للبقاء، متكئين على وسائل إنتاجهم، وهي ألف مشغل لصناعة الأقمشة القطنية والحريرية. لكن المحصلة جاءت بعد عامين، برهانا مبكرا على عقم التفاوض. أُحضرت الشاحنات مع الجنود، لنقل الربع الباقي عنوة إلى خارج الحدود. اكتمل التهجير في العام 1950. حمل المجدليون “أنوال” النسيج والخيوط والأصباغ ورحلوا! في “مدينة نصر” شرقي القاهرة افتتح المجلاني مطعما ذا مساحة مزنرة بالشجيرات عند آخر شارع مصطفى النحاس. أطلق على مطعمه “مندي.. على أصوله”. أراد أن يقول إن الوجبات الشهية تُحضّر حسب أصولها الحضرمية واليمنية. فقد توافرت للمطعم مساحة تستوعب حُفر البراميل التي يُطهى فيها اللحم ويتقمّر، مطمورا تحت التراب. فعلى الرغم من انتشار المندي في فلسطين وسائر المشرق، ليس أعرف من ساكن غزة بطبائع الانطمار البات، في برميل يُدَسُ في حفرة تبدأ لاهبة، ثم تخمد ألسنتها وتتجمر، فيُهال عليها التراب وتُغلق المنافذ، وتتول الجمرات تَندية الدهن على اللحم، في محشر لخصمين، لا وساطة فيه بينهما، من أوكسجين أو تهوية! من خلال اسم مطعمه أراد محمود أن يقول إن المندي في الحواضر خارج عن الأصول، على الأقل لكونه بلا حُفر، كما في ريف الضفة ورمال غزة. فالحفرة هي المبتدأ والخبر. كان “رئيف” الطاهي الفارع، الخارج من برميل غزة منذ عديد السنوات، متعثرا حيال البراميل الأولى. فأول الخطوات عُثار. انزلقت قدماه ووقع في الحفرة اللاهبة بعض المرات. لكن قامته أنقذته، لأنها أطول من الحفرة، وبلا دهن! في ساحة “مندي على أصوله” كنت عازفا تماما عن تناول تلك اللحوم المشبعة بالدهن، مكتفيا بأطباق الصباح مع الفلافل المتقنة. كان محمود كلما أوحى -دون أن يفعل- بأنه يلكز صديقه حازم من خاصرته، والأخير ذو حساسية مفرطة من اللكز؛ يتمايل حازم ويتثنى هاربا، فيتضاحك الحاضرون مع حازم نفسه. يتولى الخارجون من المحشر الغزي إلى القاهرة، إضحاك بعضهم بعضا، بينما الجمر يفعل فعله في البرميل. عدلي صادق

مشاركة :