الحديث عن قاعدة عسكرية عربية على جزر حوار سينقل دول المقاطعة من مرحلة رد الفعل، إلى الفعل. قطر لم تعمل حسابا لهذه المرحلة بعد لأن الرباعي العربي يتحدث طوال الوقت عن الحوار فقط.العرب أحمد أبو دوح [نُشر في 2017/08/03، العدد: 10711، ص(8)] لا أحد يعرف لماذا تجاهد قطر لدفع دول المقاطعة إلى اللجوء إلى خيارات ظلت محظورة. ثمة تنطع قطري يقوم على استغلال تقاليد خليجية راسخة. هذه التقاليد تقوم على جعل الخيارات العسكرية آخر الأوراق، مهما حصل. الحديث عن إقامة قاعدة عسكرية على جزيرة حوار البحرينية هو استلال للعصا من بين كومة الحلول الدبلوماسية التي مازالت دول المقاطعة تتشبث بها. إخراج هذا السلاح بمثابة اللطمة التي قد تفيق قطر من نشوة مرضية عانت منها طوال عشرين عاما. المشكلة بالنسبة لقطر تكمن في هوية هذه القاعدة. ثمة من يقول أن مصر قد تكون المساهم الأكبر في بنائها. هذا كابوس لا يتحمله النظام القطري.. لماذا؟ العقيدة القطرية في زعزعة استقرار مصر تقوم استراتيجيا على ميزة الموقع الجغرافي البعيد، وعلى حماية المظلة الخليجية، وعلى الاختباء خلف قاعدة العديد الأميركية. اقتراب مصر عسكريا من الأراضي القطرية إلى هذا الحد هو السلاح الأكبر الذي من الممكن أن تستخدمه دول المقاطعة لإخافة قطر. رغم التصاق السعودية، الدولة الكبرى عسكريا وسياسيا في الخليج، بالأراضي القطرية يظل التهديد المصري بالنسبة للقطريين فريدا. ثمة سبب مقنع لذلك. عندما اندلعت الأزمة ركضت قطر إلى تركيا من أجل توفير مظلة حماية لها. تركيا ليست دولة خليجية. عبر هذا السلوك عسكرت قطر الأزمة من جهة، ومن جهة أخرى وفرت لأول مرة موطئ قدم أمام قوة إسلامية غير خليجية للحضور عسكريا في هذه المنطقة الاستراتيجية. في النهاية السعودية هي دولة خليجية، لكن مصر ليست كذلك. الفرق بين مصر وتركيا هو أن مصر تحوز على شرعية سياسية بالتواجد في الخليج بالنظر إلى أنها دولة عربية. المشروعية الشعبية تلعب دورا كبيرا أيضا. وجدانيا، مصر بالنسبة للخليجيين ليست مجرد دولة عربية فحسب. نحن نتحدث هنا عن أخ أكبر من حيث السكان والدور والتاريخ والإرث الحضاري والثقافي، بالإضافة إلى القوة العسكرية. في مصر هذا يوم المنى. لطالما حلم المصريون، أقله على المستوى الشعبي، باليوم الذي تدنو فيه قطر وتصبح في متناول اليد. الكثير من المصريين يشعرون اليوم أن قطر أينعت وحان قطافها. ثمة عائقان كانا يقفان أمام قدرة مصر على عقاب قطر: العلاقات المصرية الخليجية الاستراتيجية، وافتقار مصر لأي نفوذ يذكر في مياه الخليج. الأزمة مع قطر أذابت هذين العائقين، وسمحت لمصر بمد نفوذها السياسي في ما وراء البحر الأحمر. تعزيز هذا النفوذ السياسي لن يكون إلا بإسناده بنفوذ عسكري مقابل. التوسع المصري في منطقة الخليج أحد المحاذير التاريخية للسعودية ضمن التنافس الاستراتيجي على زعامة المنطقة العربية. منذ حقبة محمد علي باشا لم يكن من مصلحة الدولة السعودية أي تواجد مصري في الجزيرة العربية. هذا التواجد هو ما أخر تأسيس الدولة السعودية كثيرا. من بين أسباب المقاومة الشرسة لمصر في حرب اليمن في الستينات من القرن الماضي هو محاولة عرقلة أي تواجد دائم لمصر في الخليج. كل هذا صحيح تاريخيا. اليوم الأمور مختلفة تماما. الآن صار لدى السعودية قوة عسكرية كبيرة قادرة على حماية استقرارها الداخلي. لم يعد أي وجود مصري في الخليج يشكل تهديدا لدور السعودية ومكانتها في الجزيرة العربية. العقيدتان العسكرية والسياسية المصرية تجاه الخليج تغيرتا جذريا أيضا. صار الجانبان ينظران إلى التحالف بينهما باعتباره مسألة وجودية. تواجد بضعة آلاف من الجنود المصريين في الخليج تحوّل مع الوقت من تهديد إلى عنصر أمان. إن حصل ذلك فسيكون قرب القوات المصرية إلى هذه الدرجة من الأراضي القطرية عامل تغيير جوهري في الرؤية القطرية لدورها في المنطقة بأسرها. في اليوم التالي لتشغيل القاعدة العسكرية المفترضة في البحرين ستغير قناة الجزيرة لهجتها تماما. لن يكون هناك مساحة تذكر للقصف الإعلامي المتواصل لدول المقاطعة. وزارة الخارجية القطرية ستعيد النظر في خطابها أيضا. قبل إرسال أي سنت لتنظيم الإخوان المسلمين أو القاعدة، ستعيد قطر التفكير كثيرا. عيون القطريين على القاعدة العسكرية العربية، ستسبق أياديهم الممتدة إلى التنظيمات الإرهابية. لكن ماذا عن الوجود العسكري التركي في قطر؟ لا أعتقد أن كتيبة المشاة التركية في قطر سيكون لها أي دور في معركة استعراض العضلات التي نتحدث عنها هنا. إذا كانت تركيا قد أرسلت 3 آلاف جندي، فدول المقاطعة مجتمعة تستطيع أن ترسل أضعاف هذا العدد. تحييد القوات التركية في قطر لن يكون إلا عبر هزيمتها معنويا، من دون الحاجة إلى الدخول معها في أي مواجهة فعلية. المشكلة الحقيقية هي الـولايات المتحـدة. لا تريد واشنطـن رؤيـة تحـالف عسكري عـربي يتولى مهام حماية الخليج بشكـل مستقل. في العقيدة الأميركية هذه مهمة غربية حصرا. الأميركيون يشعرون أنهم “ورثة الدور” الشرعيون من بريطانيا في الخليج. مشاركة هذا الدور مع العرب هو تنازل استراتيجي لا تبدو الولايات المتحدة مستعدة لتقديمه بعد. ما يبحث الأميركيون عنه اليوم هو مشاركة العبء في تكلفة القوات وليس في القوات نفسها. رغم ذلك الحديث عن أي تواجد عسكري عربي في الخليج مع الولايات المتحدة ليس مسألة مستحيلة. كل ما يتطلبه الأمر هو إقناع الأميركيين بأن الإجراءات العربية هي إجراءات ظرفية لا تهدف إلى انتزاع أي شيء من أي أحد. يجب ألا يفهم الأميركيون أن الأمر المتصل بعقاب قطر هو أيضا عقاب للولايات المتحدة. الحديث عن قاعدة عسكرية عربية على جزر حوار سينقل دول المقاطعة من مرحلة رد الفعل، إلى الفعل. قطر لم تعمل حسابا لهذه المرحلة بعد لأن الرباعي العربي يتحدث طوال الوقت عن الحوار فقط. لن ترتدع قطر بالحوار. قطر ستقلق حقا في اليوم الذي تصبح فيه “كل الخيارات مطروحة” كما تردد أميركا في مواجهة إيران. هكذا يكون التعامل مع الدول المارقة. كاتب مصريأحمد أبو دوح
مشاركة :