سورية ومأساتها في غياهب النسيان؟

  • 8/6/2017
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

  مع استمرار الجمود في الأزمة السورية، أصبح من الصعب توقّع التفاؤل، على الأقل بالمستقبل القريب، فالقوى الكبرى اتفقت على حل بعض جوانب هذه الأزمة بما يخدم مصالحها الخاصة، ليبقى الصراع مستمراً ومهدداً استقرار المنطقة. لقد أفرزت السنوات السبع من عمر هذه الأزمة العديد من المُسلّمات التي لا يمكن تجاوزها. أولاها وأهمها أن سورية التي نراها اليوم على خارطة العالم لم تعد موجودة كما كانت، فقد تغيرت أمور كثيرة، وأضحت فكرة ترك السوريين إدارة شؤونهم بأنفسهم سيناريو غير مقبول للقوى الكبرى وحتى الإقليمية، بدعوى أن التدخل واجب في هذه الأزمة التي توفر كل أسباب عدم الاستقرار وتنذر بانفجار أكبر وتبعات أبعد من حدود سورية. أما ثاني هذه المُسلّمات فهو مستقبل الرئيس بشار الأسد، الذي لم يعد خاضعاً لقرار الشعب السوري، أو حتى الإجماع الدولي، فقد أضحى بيّناً أن بقاء الأسد أو غيابه عن المشهد قرار روسي حصري. وقد أثبت حتى الآن بأنه حليف يمكن الاعتماد عليه، بعدما حققت الشراكة معه نتائج إستراتيجية مهمة لموسكو. وبالتوازي، قلّصت شراكة الأسد مع موسكو فرص طهران في أخذ زمام الأمور وامتلاك اليد العليا في القرارات المتعلقة بهذا البلد، خلافاً لما كان يتوقع كثيرون. ثالثة هذه المُسلّمات هو أن أي جولات جديدة من المفاوضات برعاية أميركية و/أو روسية لن تؤدي إلى أي نتائج حقيقية، فالمحادثات الجدية والمنتجة تكون فقط بين واشنطن وموسكو حول توزيع الأدوار، وتقسيم مناطق النفوذ بينهما. وعليه، فإن استمرار الأسد في أي مستقبل لما تبقّى من سورية أصبح أمراً لا تحكمه الهرطقات الإعلامية، خصوصاً مع بروز خطر أعظم - من وجة نظر صانع القرار الغربي- هو خطر الجماعات الإرهابية. وتجسدت هذه الخلاصة في ما تناقلته بعض الصحف- وتحديداً «دايلي بيست» - عن قبول الولايات المتحدة بمبدأ وجود الأسد في أي حل مرحلي، شرط طرد «داعش» من سورية. إضافة الى ذلك فإن اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في جنوب سورية بين موسكو وواشنطن يفضي بالخلاصة ذاتها وإلى تبدّل مواقف الدول من الصراع في سورية. وفي حقيقة الأمر، عكس اتفاق وقف إطلاق النار الأخير- والذي شمل أيضاً الأردن وإسرائيل - مستوى جديداً للتدخل الأميركي في سورية، مختلفاً في شكل جذري عن ذلك الدور إبان إدارة الرئيس السابق أوباما، كما عكس تشابكاً كبيراً للعلاقات واختلاطاً غير مسبوق للأوراق والمصالح والأدوار للقوى المختلفة. فدعم الأطراف المتناحرة لم يقتصر على الولايات المتحدة وروسيا، بل شمل دولاً وقوى إقليمية أخرى، كتركيا، وإيران، وبعض دول الخليج. ويبدو أن القوى الكبرى ارتأت الاعتماد على الجماعات المسلحة كمرحلة انتقالية، من أجل تقليل خسائرها، وفي الوقت ذاته ضمان حضورها في المناطق التي ستعاني من فراغ نفوذ، خصوصاً بعد انهيار «داعش». وعليه، فبوجود دول كإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة، إضافة الى النظام السوري، وتنظيمات وجماعات مسلحة مثل «داعش» و«القاعدة» و«النصرة» والميليشيات العراقية و«الباسداران» الإيراني و«حزب الله» و «الجيش السوري الحر» و«قوات سورية الديموقراطية» وغيرها، فإن خارطة توزيع مناطق النفوذ في سورية تنبئنا بالكثير. يبقى الشمال السوري مقسماً بين الولايات المتحدة و «قوات سورية الديموقراطية» التي تدعمها الولايات المتحدة من جهة، وتركيا و «الجيش السوري الحر» من جهة ثانية. ومع ما يقارب 14 مليون كردي في تركيا يكون القبول بنفوذ كردي جديد في شمال سوريا أمراً يداعب الخيال، والقبول بأية تنازلات في هذا الشأن- من وجهة نظر أنقرة- هو رسالة تشجيع على النزعات الانفصالية داخل تركيا. وعلى رغم هذا لم يستطع الأتراك والأكراد فرض السيطرة الكاملة، فالشمال الغربي من سورية يبقى خاضعاً لقوات معارضة مسلحة، وجماعات إسلامية أخرى. أما في الجنوب، فيبدو أن واشنطن حاضرة هناك أيضاً، خصوصاً مع التنسيق المعلن مع كل من الأردن وإسرائيل. وكلما اقتربت أكثر من الجولان السوري المحتل، يصبح الحضور الإسرائيلي- وبكل أسف - أوضح. فوفقاً لصحيفة «تايمز» البريطانية، كانت إسرائيل حاضرة في المحادثات الأخيرة بين روسيا والولايات المتحدة من أجل تأمين منطقة آمنة جنوب الأراضي السورية تمتد مساحتها 30 ميلاً شرق الجولان المحتل وصولاً الى محافظة درعا ومروراً بمحافظة السويداء. ووفقاً للإدعاءات الإسرائيلية فإن الهدف من هذه المنطقة الآمنة هو منع إيران و«حزب الله» من التحرك والعمل في هذه الرقعة. هذه الادعاءات تلقى صدى جيداً في واشنطن التي تتخوف من النفوذ الإيراني، خصوصاً في جنوب سورية. وكانت القوات الأميركية قد أسقطت خلال حزيران (يونيو) الماضي فقط وفي حادثتين منفصلتين طائرتي استطلاع إيرانيتين من نوع «شهيد-129» بالقرب من مواقع تدريب أميركية قرب الحدود العراقية الأردنية. في وسط سورية وغربها (الساحل حيث قاعدة حميميم الروسية والحدود اللبنانية) يظّل وجود النظام والقوات الموالية له والقوات الإيرانية وعناصر «حزب الله» والقوات الروسية هو الغالب، حيث استطاع النظام أن يستعيد سيطرته على مساحات واسعة منذ التدخل الروسي المباشر في الأزمة السورية. وكان لاستعادة النظام السيطرة على هذه المناطق من جهة وتراجع سطوة الجماعات المتشددة من جهة ثانية أثرهما في بث بعض الطمأنينة في قلوب العديد من اللاجئين السوريين. فوفقاً لتقرير وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عاد حوالى نصف مليون لاجئ سوري إلى بيوتهم منذ بداية العام الحالي. ويضيف التقرير بأن ما يقارب من 31 ألف لاجئ سوري عادوا من الخارج ليصل عدد اللاجئين الذين عادوا إلى سورية منذ عام 2015 إلى 260 ألف شخص، إضافة الى حوالى 440 ألف نازح عادوا إلى بيوتهم من داخل سورية. وعلى رغم ذلك لا يجب أن تكون هذه الأرقام مضللة، فسورية تعاني، ومنذ أكثر من سبع سنوات، من مأساة غير مسبوقة، أنهكت كل مقومات الدولة، أما التدخلات الخارجية فما هي إلا نذير شؤم بما هو أسوأ. لقد رفض العرب عبر المنابر ووسائل الإعلام أي حديث عن تقسيم جديد، في حين عمل الآخرون بصمت على التقسيم والتفتيت، وبعد استعراض خارطة توزيع مناطق النفوذ في سورية، يبدو أن البلاد على وشك أن تسقط فريسة تقسيم ثلاثي طائفي عرقي- وإن لم يكن رسمياً: الوسط والغرب للعلويين، وتكون منطقة نفوذ روسية يديرها النظام السوري. الشرق والجنوب للسنة العرب، وتكون منطقة نفوذ أميركية مع تقديم ضمانات أمنية لإسرائيل. الشمال للأكراد وتكون منطقة نفوذ أميركية مع تقديم ضمانات لتركيا. أحلام أطفالنا أصبحت كوابيس، بعد أن صارت زقزقة العصافير ضجيجاً ينذر بموت الأحباب والجيران أفواجاً. لقد انقلبت طموحات شبابنا أوهاماً... وتحولت الأسماء أرقاماً والبساتين قبوراً والزهور ألغاماً، فاعتصر القلب ألماً والفؤاد وجعاً، على ما وصل اليه من كانوا يوماً أشجع فرسان، وعُرفوا بعزمهم ونخوتهم... بجيوش عتية وقيادات أبية حُفرت أسماؤها في سجل الزمان، ذهبوا بأقدامهم إلى حقبة التشرذم والوهن والتيه والهوان، فقاموا بتقسيم المُقسَّم أصلاً من أرضهم، ودقوا إسفين الصراع الطائفي بأيديهم، دفعوا من أموالهم ثمن احتلالهم. عادوا أخوتهم. حاربوا من أحبهم، وأحبوا من عاداهم...إذاً هي أدهى وصفة لأمة إن أرادت السير نحو غياهب النسيان.

مشاركة :