أصدر الرئيس الفرنسي بيانه الأول عن العدوان الإسرائيلي على غزة وبدا البيان- الذي من الواضح أنه صدر بضغوط إسرائيلية - منحازا بشكل فاضح لإسرائيل، ولكن ما لبث بعد أيام أن تدارك خطأه بعد موجة غضب واستنكار وانتقادات وجهت له من اليسار ومن منظمات وهيئات حقوقية وعدد من الكتاب، حيث قامت منظمات تضم عددا من الشخصيات بتنظيم تجمع أمام وزارة الخارجية الفرنسية تندد بالعدوان، الأمر الذي اضطر الرئيس إلى العودة إلى الموقف التقليدي الفرنسي المتوازن حيال القضية الفلسطينية. وقبل ذلك كانت وزيرة الثقافة الفرنسية قد انتقدت دعوة زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية المتشددة إلى سحب الجنسية الفرنسية من الذين تورطوا في أحداث الشغب الأخيرة التي وقعت بعد انتصار المنتخب الجزائري واعتبرتها تصريحات"خارجة عن المجال". عندما تكون للدولة الوطنية توجهات تقليدية والتزامات حيال قضايا ومبادئ معينة، يصبح من يخرج عليها عرضة للانتقاد، والمسؤولون مضطرون للالتزام بها مهما كانت هوياتهم وانتماءاتهم لأن هناك من يحاسبهم. أليس من المشين أن يكون هناك تنديد وانتقادات شديدة لمواقف دول غربية من العدوان الإسرائيلي من أوساط ودوائر داخلية بينما لا يتورع كتاب وإعلاميون ومسؤولون عرب عن إظهار حيادهم، أو تأييدهم الضمني لما تفعله إسرائيل عن طريق التلاعب بالأحداث والوقائع أو التعبير عن تأييد علني بأسلوب فج واستفزازي وقح، رغم معرفتهم بحساسية القضية الفلسطينية ومركزيتها عند الشعوب العربية والإسلامية، بل إن منهم من دعا تحت القصف والقتل إلى التعقل والانصياع لعملية السلام وكأن إسرائيل تريد السلام حقا، متجاهلين أن إسرائيل تقتات وتتقوى بحروبها وتدميرها البيوت على رؤوس أصحابها، وتستمتع بغطرستها وجنونها لأنها لا تحسن إلا لغة القتل والتدمير، وهم بهذا الموقف ينطبق عليهم قول المتنبي: يرى الجبناء أن العجز عقل وتلك خديعة الطبع اللئيم وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم ولكن تأخذ الآذان منه على قدر القرائح والعلوم ليست مصيبتنا في الانهيار الأمني والتقتيل والتشرد الذي تعيشه شعوب عدد من دولنا العربية فقط في الفترات الأخيرة، بل في الانهيار الأخلاقي الذي يجعل الخطأ صواباً والصواب خطأ، ويخلط بين الحابل والنابل والحق والباطل، المشكلة في طغيان المصالح الخاصة والعلاقات النفعية، وفي التحولات المفاجئة من النقيض إلى النقيض، وفي موت العواطف الإنسانية، في الهجاء المتبادل والتصريحات الانتقامية وخلق العداوات، وفي الذاكرة القصيرة التي تجعل الكثير منا ينسى الظلم والخطايا، في الشائعات والتجهيل والتضليل، وفي انتهاك القيم والحقوق، وفي تكرار الأخطاء وعدم الاعتبار بالدروس. الانهيار الأخلاقي والثقافي الذي نعيشه هو السقوط الحقيقي، فمن يتحمل المسؤولية؟
مشاركة :