لفت نظري إصرار مطاعم تقدم ما يعرف بالمنقوشة على كتابة اسمها على اللوحات «منؤشة أو منئوشة» بقلب القاف همزة في الكتابة كما تنطق في بعض البلدان العربية، ومثل هذا التجاوز أصبح مكررا في كتابة اللوحات والإعلانات والسؤال: كيف تقبل الجهة المختصة مثل هذه التجاوزات؟ وماهو دور الجهات المعنية باللغة العربية في مواجهتها؟ منذ سنين وظاهرة الكتابة بالعامية تستفحل سواء في وسائل الإعلان أو في تسمية المحلات والمطاعم، أو في وسائل الإعلام، وهي متفشية الآن بشكل فاضح في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبحت هناك نظرة استغراب لمن يكتب أو يتكلم بالفصحى، وقد وصف أحد الكتاب مايحدث بقوله « لقد عادت الدعوة للعامية أكثر نشاطاً مما بدأت به عبر دعاتها السابقين، عادت تطبيقاً من خلال بعض الفضائيات والإذاعات الأهلية». بين اللغة الفصحى وبين اللهجة العامية ارتباط ومن الطبيعي الخلط بينهما في مجال الموضوعات الشخصية والاجتماعية ولكن أن تصبح العامية اللغة الشائعة في التواصل الكتابي بين الناس حتى بين من يعمل في مجال التعليم فهو أمر مشين، كما أن اعتماد مقدمي بعض البرامج التلفزيونية على العامية سيزيد من مشكلة اللبس وعدم الفهم بين المشاهدين في مختلف الدول العربية المتعددة اللهجات ويضعف الروابط أكثر بين الشعوب. يبرر البعض استخدام العامية بالرغبة في السرعة والتبسيط والتسهيل حتى لو اقتضى الأمر هدم قواعد اللغة والإملاء، أما في المجال الرسمي والإعلامي فيبرر بالرغبة في تقريب الأفكار إلى المستمعين والمشاهدين وجذبهم، ولكن الواضح أن الأسباب هي الفقر اللغوي وضعف مهارة الكتابة بلغة فصيحة، وقلة الإلمام بقواعد اللغة، وربما العجز عن التعبير عن الأفكار والمشاعر. من الملاحظ مؤخراً أن البعض بدأ يكتب العربية بحروف لاتينية ويستعيض بأرقام ترمز لحروف، وهو يقلد ما يفعله آخرون في بلدان عربية، وهذا تطبيق لدعوات قديمة وحديثة إلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية، كما شاعت ظواهر كتابية مثل تكرار كتابة الحرف الواحد أو علامة الترقيم عدة مرات بقصد إظهار المبالغة في أمر ما، فمثلاً تكتب كلمة كثير هكذا«كثييييير»، أو تكرر علامة الاستفهام أو التعجب مثل:«؟؟؟؟» أ و«!!!!!» وهذا ينافي القواعد الصحيحة في الكتابة. بالرغم من ثورية الشاعر السوري (أدونيس) وأفكاره المثيرة للجدل في موضوعات شتى إلا أنه من المتشددين في موقفه تجاه اللغة الفصحى، يقول «… لم أكن أستطيع فيما أرى انهيار العالم من حولي وانهيار القيم التي تعبر عنه، إلا أن أكتب وكأنني أسكن في نبض اللغة العربية، وقد رد لجسدها بهدوئه الأصلي. هكذا كنت أرى أن الكتابة باللغة الدارجة إحدى علامات ذلك الانهيار. ومن هنا كان حرصي الكامل على أن أكتب باللغة نفسها التي أسَّست لثقافتنا”. ويتساءل:» هل نحن العرب نستحق هذه اللغة العظيمة؟”. على المؤسسات الرسمية المسؤولة في الدولة أن تقوم بدورها في مواجهة طوفان العامّية.
مشاركة :