لم يكن اتهام زميل عزيز لي في العمل بأنني "دقة قديمة" وبأنني أحتاج إلى تحديث، مجردَ أثر عابر. ولكوننا نعمل في قناة تلفزيونية، فجمهورنا الذي نستهدفه -بحسب زميلي- قد تخطى الأفكار التي طرحتُها أنا لصياغة فقرات أحد البرامج. ارتفعت ضحكات جميع الحاضرين بشكل ودي وحاولوا ألا يُشعروني بالإهانة، ولكنني وجدت نفسي أقول للجميع تلقائياً: هنالك فلّاح عتيق يسكنني. نعم، أنا فلاح قديم رغم أنني أتعامل مع كاميرات ومعدات حديثة وأعمل على برامج الأدوبي 2017، وأتعامل مع تطبيقات الهواتف الجوالة وتحديثاتها بشكل دائم، وأمشي على خرائط جوجل حين أتنقل من مكان إلى آخر، وأعرف بشكل مقبول كيفية التعامل مع أغلب التقنيات الحديثة المادية والفكرية. نعم، أنا فلاح "دقَّة قديمة" حين يتعلق الأمر بحبي الناس وترابطي بهم، حين أعبِّر للجميع بكل صراحةٍ عما يجول بخاطري، نعم أنا عتيق مثلما هي عاداتنا وتقاليدنا، مثلما هي رسوماتنا على حائط منزلنا الريفي من الخارج، ومثلما هي طريقة اصطيادنا (للفري والزرعي والدويري)، مثل شجرات اللوز الثلاث الباقية أمام منزلنا في القرية. تابعت حديثي مدافعاً بشراسة رغم ودية الطرح وحميمية الزمالة: الكثير منّا يسكنهم فلاح عتيق يعتزون به ويفاخرون به وعندما تشتد ضغوط الحياة يعودون إليه كي يحصلوا على السكينة والأمان. لم أتخيل أن يكون لكلام زميلي وضحكات الآخرين ذلك الوقع الجميل في داخلي، ولم لا؟ لماذا لا أعود فلاحاً، ليس بالضرورة بالمِعول والمنجل والنير، وإن كان اشتياقي إلى الريف والأرض بحجم الحب الذي يسكنني، لم لا أعمل تحديثاً لنفسي وأعود مزارعاً ذا همة عالية، يروي البذور ويرعاها فتعطيه حَباً وحُباً. الحياة الحديثة بسرعتها وتطورها التقني وأدواتها، جعلتنا مرهونين لها وأصبحنا نعتقد أننا إذا خرجنا قليلاً من نطاق سطوتها فسنصبح عائدين للخلف المتخلف حسب اعتقاد الكثيرين منّا، ليس كل ما هو قديم متخلف، فالشجرة أصلها بذرة ومستقبلها بذرة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :