رشا حلوة: نساء يعشنَ شيخوخة كاسرة لإملاءات العُمر والمجتمع

  • 12/6/2017
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

في مقالها* لـ DWعربية تسلط الكاتبة الصحفية رشا حلوة الضوء على أسلوب الحياة الذي تختاره نساء في سن متأخرة لكسر تقاليد العمر وما يمليه المجتمع عليهن من أدوار خلال تحديات الحياة اليومية. انتشر مؤخرًا في صفحات موقع فيسبوك، فيديو لإحدى حلقات برنامج "أحمر بالخط العريض" للإعلاميّ مالك مكتبي عبر قناة "إل بي سي" اللبنانيّة، والتي ضمّت حوارًا مع ناهدة، وهي سيدة لبنانيّة، مدرّبة كاراتيه، حاملة لحزام أسود وعمرها 84 عامًا. حضورها الجميل بكل تفاصيله، وقوتها الجسديّة، كانت محط مفاجأة للمشاهدين والمشاهدات، حيث من النادر جدًا أن نرى امرأة في هذا الجيل البيولوجيّ وبهذا الحضور "الشبابيّ" والقوة البدنيّة. تبدأ ناهدة بالحديث بفخر عن سنّها، فكانت إجابتها على السّؤال الأوّل: "بدك تحاربي مين بالفنون القتاليّة؟"، كانت: "أنا، هو انتصار على ذاتي مش على حدا. لا على المجتمع ولا على الشيخوخة. الشيخوخة حلوة، بهاي اللي أنا فيها هلق، طالما لابقتلي، حلوة". وبالتالي، ومن خلال الاستماع لها بالمقابلة، لا تريد ناهدة أن تُعامل على أنها "شابة"، بشكلها الخارجي وشكل حياتها، هي الأم والجدّة الفخورة، كما أن لأحفادها، أبناء أيضًا، هي ترى أن نمط حياتها وحضورها، هو شيخوخة أيضًا، وكما ترغب أن تكون شيخوختها، بلا انتقاص من كل مرحلة عمريّة عاشتها، وتقدير لمرحلتها العمريّة اليوم وهي ما بعد الثمانين عامًا. نعرف جيدًا أن نموذج ناهدة هو نادر جدًا في بلادنا العربيّ، كما العالم عمومًا، لكني أشير إلى بلادنا لأسباب عديدة، أوّلها الظروف الحياتيّة الصعبة والقاسيّة في كثير من بلادنا، ظروف يعيشها البشر في معظم الفئات العمريّة، والنساء على وجه الخصوص، كما أن هنالك صعوبة للوصول إلى العلاجات الصحيّة والنوادي الرياضيّة وقلة توفّرها، وبالتأكيد، الظروف السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي تثقل على حياة الكثيرين، فتصبح المعركة على الحياة والعمر المديد، في كثير من الأحيان، ليست في متناول اليد و/أو القرار الفرديّ. على الرغم من الإشارة إلى الظروف أعلاه، وأخذها بعين الاعتبار، إلّا أن ناهدة قد فاجأتنا جميعًا، بل شكّلت نموذجًا ترغب العديد من النساء في تحقيقه. لماذا فاجأتنا ناهدة؟ وفاجأتنا من قبلها الصبوحة الشحرورة؟ كما نماذج عديدة لنساء في العالم، اللواتي وصلن إلى جيل الثمانين والتسعين، أي جيل الشيخوخة، وكن لا زلن يعملن كعارضات أزياء وراقصات ومغنيّات، أو ببساطة، عندما نذهب إلى بار أو حفلة رقص، ونرى امرأة ورجل أيضًا، في الثمانين من عمرهما، يمارسن حياتهما "بطبيعيّة" كاملة كما غالبيّة الحاضرين من الجيل الأصغر سنًا؟ لأنهن ببساطة، يعشن "خارج القاعدة" التي رسمتها المجتمعات للمراحل العمريّة للفرد، وبالتالي، هذه الأدوار الاجتماعيّة التي تُفرض على الأفراد وفقًا لجيلهم، "تلزمهم" أن يمشوا حسبها، خاصّة، إن كانت امرأة وفي ظلّ أدوارها الاجتماعيّة والجندريّة التي وُظّفت لها منذ طفولتها، والتي هي بالضرورة، وفقًا لهذه "الأدوار"، تعيش دومًا من أجل الآخرين؛ عائلتها، أبنائها وبناتها، زوجها، أحفادها، حيث من النادر أنّ تعيش من أجل نفسها، وفي كل القصص التي سمعنا فيها عن امرأة مسنّة، لا زالت تمارس حياتها كما تشاء، نتفاجأ بالضرورة، للإيجاب وللسلب أيضًا. من أكثر النماذج النسائيّة التي حظت بنقد مستمر لشكل حياتها، مقابل الحبّ والتقدير الهائليْن لها ولقراراتها الحياتيّة، كانت المغنيّة اللبنانيّة صباح، الصبوحة الشحرورة، التي لم يمنعها ازدياد سنّها بأن تواصل الغناء، الحبّ وبناء شراكات زوجيّة حتى رحيلها، حيث شكّلت صورة جميلة وحقيقيّة عن الشغف بالحياة وحقها بها وبما تمنحها من عواطف خلال مراحلها العمريّة المختلفة. في حديث مع صديقة، قالت: "الصبوحة بنمط حياتها، ومع ازدياد عمرها، كسّرت كل التقاليد المتعلّقة بكيف على الشيخوخة أن تكون، أو كيف على النساء كبيرات السّن، أن يعشنَ. فقد هددت شقاوتها المستمرة شكل المجتمعات المحافظة التي نعيشها، وأدوار النساء المتغيّرة حسب أجيالهن، حتى وإنّ كانت صباح فنانة كبيرة، فأغلب الفنانات مع تقدمهن بالسّن، يعدنَ إلى "القاعدة الاجتماعيّة" المتبعة". بلا شكّ، نعيش في عالم مهووس بثقافة الشباب، وهذا ليس نقدًا سلبيًا بالضرورة، إنما حقيقة متعلّقة بالاستثمار عمومًا في مجالات الحياة العديدة بجيل الشباب، ومنحه الحق بالتجريب والاختيار ومسؤوليّة بناء مجتمعات. لكن الشق السلبيّ من هذه الحقيقيّة، هي نزع الحق من جيل المسنّين ومسنّات، من ممارسة الحياة كما يرغبون ويرغبن، بمعنى، عندما نعرف امرأة في الثمانين من عمرها لا زال لديها رغبة في السّفر والتعلّم والرّقص، وتقوم بذلك، هنالك من يعلّق بمثل: "عزا شو مفكرة حالها بعدها صبيّة؟!"، وبالتالي، هذا نزع الحق بالحياة، ممن يرغب بأن يمارسه كما يشاء، بلا علاقه بعمره. بالطبع، النقد والاستغراب من أنماط حياة لنساء كبيرات في السّن، كما الرجال، ليس بالضرورة أن يكون سلبيًا دائمًا، الاستغراب الإيجابيّ وإعجاب الكثيرين، كما في حال مدرّبة الكاراتيه، ناهدة، هو وارد. حول هذا، تقول صديقة: "ببساطة، لأن هذه القصص هي بمثابة خروج عن القاعدة، لأن وصول شخص إلى جيل الثمانين والتسعين، مرفق غالبًا بعدم قدرته على الحركة بدنيّة و/أو العقليّة السليمة". يقول صديق آخر: "الاستغراب هو تجاه النساء والرجال على حد سواء، وهو نابع من منطق عقولنا الذي يفيد بأن ليس لكبار السّن ليونة أجساد الشباب وصحّتها، وأنهم عليهم أن يتقاعدوا عن العمل عندما يصلوا جيل السّتين وأن يجلسوا في البيوت، وعندما نرى شخصًا كبير السّن يعمل أي شيء مصنّف على أنه شبابيّ، نستغرب استغرابًا إيجابيًا". بعيدًا عن ردود الفعل المجتمعيّة تجاه كبار السّن، وخاصّة النساء منهم، واختيارهن لنمط حياة "مخالف" للقواعد العمريّة والجندريّة، فإن القصص لنساء كبيرات في السّن، رتبنَ شيخوختهن كما يشأن، وعملنَ على ملاءمتها لرغباتهن، هي نماذج ذاتيّة غالبًا، خاضعة لظروف عديدة، منها التي تسهّل المعركة على الحياة، ومنها التي تجعلها مستحيلة. لكنها بنفس الوقت، هي قصص تعيد الاعتبار للحياة، لمراحلها العمريّة، للشيخوخة كمرحلة حياتيّة وليس تجهيزًا للموت، وبإمكانها أن تتيح متسع لتحقيق الرغبات الفرديّة، مع كل الخوف والحقائق المضادة لذلك. وفي حال السيدة ناهدة ونساء أخريات مشابهات لها في شيخوختهن "غير التقليديّة"، هن إثباتات مهمّة لنساء سيعشنَ دومًا كما يشأن، ورغمًا عن كل شيء، بما في ذلك تقدّم العمر. رشا حلوة * المقاليعبرعنوجهةنظركاتبتهوليسبالضرورةرأيمؤسسةDW.

مشاركة :