رغم التهديدات المتبادلة والحرب الكلامية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، والتي وضعت العالم على صفيح ساخن، ثمة ما يشي بأن اندلاع حرب كارثية ليس حتمياً وأن الأزمة التي تبدو مستعصية يمكن حلها بوسائل أخرى من شأنها عدم المساس بهيبة كلا الجانبين. المتتبع لمسار السياسة الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية منذ نحو ربع قرن لا بد أن يلحظ أنها تميزت بالتهديد والترغيب بهدف احتواء البرنامج النووي والبالستي لكوريا الشمالية، حيث حاولت الإدارات السابقة بشتى الوسائل والسبل منع بيونج يانج من امتلاك التقنية النووية، ووضعت ضدها العقوبات تلو العقوبات ومارست كل الضغوط السياسية والمقاطعة الاقتصادية ولوحت مراراً وتكراراً باستخدام القوة ووضعت الخطط العسكرية كما في عهد كلينتون، وقامت بإجراء المناورات العسكرية في إطار سياسة «حافة الهاوية» التي تنتهجها، لكن كوريا الشمالية كانت دائماً ترد بأنها «جاهزة للرد بالمثل، وإذا اندلعت الحرب ستحيل العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول إلى بحر من النار». وفي النهاية كشفت إدارة كلينتون عن وجود مفاوضات توجت بالإعلان عن التوصل إلى اتفاق مشترك. ما حدث بعدها أن الولايات المتحدة استفاقت على وجود أسلحة نووية شبه كاملة لدى كوريا الشمالية، وإن تكن متواضعة قياساً بالأسلحة الأمريكية. ومع مجيء إدارة ترامب تصاعدت الأمور بشكل خطر بوجود رئيس يبدو مستعداً للقيام بما عجزت عنه الإدارات السابقة، فأرسل المزيد من التعزيزات وحاملات الطائرات، وقام بنصب منظومة الدرع الصاروخية «ثاد»، أعقبها بمناورات عسكرية ضخمة مع كوريا الجنوبية، لكن بيونج يانج هددت بضرب قاعدة جوام الأمريكية، بل هددت بضرب الولايات المتحدة نفسها، قابله تهديد أمريكي بمحو كوريا الشمالية عن وجه الأرض. في خضم هذا التصعيد الخطير، بدأت في الخلفية ترتسم ملامح سياسة أمريكية أخرى ورسائل تنوي توجيهها بدءاً من إيران وليس انتهاء بروسيا والصين، وتحدثت وسائل إعلام أمريكية عن اتصالات سرية بين واشنطن وبيونج يانج لاحتواء الموقف، ونقلت عن مجمع خبراء الذرة الأمريكيين ما يدحض قدرة الأسلحة الكورية الشمالية على الوصول للولايات المتحدة، وذلك خلافاً لتقارير أجهزة الاستخبارات، فيما حاول وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون طمأنة بيونج يانج بأن واشنطن لا تشكل تهديداً لها، وأنها لا تستهدف الإطاحة برئيسها أو تغيير نظامها، مشيراً في نفس الوقت إلى أنه «لا يعتقد أن هناك تهديداً فورياً على أمريكا». هذا الجنوح نحو التهدئة، بحسب المراقبين، يدفع للاعتقاد بترجيح الحل الدبلوماسي باعتباره مساراً «اضطرارياً» لا بد أن ينطوي على تقديم تنازلات لا تمس بهيبة الطرفين، فحواها استعداد كوريا الشمالية لوقف تجاربها النووية تدريجياً، والامتناع عن تصدير التقنية النووية أو معداتها، مقابل ضمانات أمريكية بعدم مهاجمتها، وصولاً إلى تطبيع العلاقات بين الجانبين. يونس السيدyounis898@yahoo.com
مشاركة :