هل يجوز للدولة أن ترشي مواطنيها؟ بقلم: حكيم مرزوقي

  • 8/29/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حكومات عربية كثيرة تمشي في اتجاه الخصخصة بخطى متباينة كي لا يكون إرث القطاع العام ثقيلا وعائقا أمام التحول نحو ما يجب أن يكون.العرب حكيم مرزوقي [نُشر في 2017/08/29، العدد: 10737، ص(12)]القطاع الخاص يصعد بالفرد في الطموح والإنجاز والابتكار الأصل في الملكية هي الفردية، ليس فقط بصيغتها الشخصية بل بنزعتها البشرية وما يحركها من نوازع تنافسية وطموحات شخصية متأصلة في الذات الإنسانية، ومن هنا يأتي دور الدولة (الشخصية الاعتبارية) كسلطة إدارة وإشراف لتتلقف هذه القيمة وتوظفها للصالح العام ضمن مخططاتها ومشاريعها. وانطلاقا من هذا المعطى، يمكن الجزم بأن الخصخصة أمر طبيعي ومسار قدري تاريخي، لكنه تأجل تنفيذه أو فلنقل تعطل إنجازه بسبب تغوّل سلطة الدولة وتعدّيها على ما ليس من مهماتها، وهو احتكار المشاريع الاقتصادية والخدمية لنفسها فباتت في نظر كل ذي طموح مالي مشروع، قامعا وعائقا بل وفي أفضل حالاتها أي عند قولها بالقطاع المشترك مثلا، بمثابة الخصم والحكم. إن سبب تدخل الدولة في المجال الاقتصادي يعدّ طارئا وظرفيا، ففي البلاد المتقدمة وأثناء فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان من أجل إعادة البناء السريع لاقتصاداتها التي دمرتها الحرب. واتّخذ هذا التدخّل بشكل خاص تأميم المشروعات الاقتصادية الخاصة. أما في البلاد المستعمرة سابقا فقد اتسع نطاق تدخل الدولة في إدارة الاقتصاد الوطني خلال عقدي الستينات والسبعينات في العديد من الدول النامية، خصوصا تلك التي تبنت ما تعتبره نهجا اشتراكيا أو ما شابهه. وكرد فعل للدور الاستعماري، وسعيا للحصول على الاستقلال الاقتصادي، امتد واتسع تدخل حكومات تلك الدول، وزادت نسبة مشاركتها في النشاط الاقتصادي من خلال تقييد وتنظيم أنشطة القطاع الخاص بصفة عامة والأجنبي منه بصفة خاصة. وانطلاقا مما سبق ذكره، يمكن القول إن هيمنة الدولة على الاقتصاد وباقي القطاعات الخدمية، قد زالت بزوال أسبابها، وعاد القطاع الخاص ليستعيد دوره الطبيعي والتاريخي الذي افتك منه، ويؤكد من جديد أن الخصخصة هي اتجاه إيجابي بناء وفعال للتعامل مع قوى السوق في النشاط الاقتصادي وتأكيد المبادرة الفردية كأساس للتطوير والابتكار والإبداع، يستعيد الاقتصاد من خلالها حيويته.الخصخصة اتجاه إيجابي بناء وفعال للتعامل مع قوى السوق في النشاط الاقتصادي وتأكيد المبادرة الفردية كأساس للتطوير والابتكار والإبداع والابتعاد عن الكسل الفكري وتعمل الخصخصة على تحقيق التوظيف الكامل للعمل والموارد الإنتاجية المتاحة بالدولة وتسعى لاكتشاف موارد إنتاجية جديدة وبديلة، وكذلك ترفع الكفاءة الاقتصادية عن طريق ترشيد ممارسة هذا النشاط بتخفيف التكاليف الإنتاجية والتسويقية، هذا بالإضافة إلى مضاعفة القوة الشرائية لأفراد المجتمع عن طريق ما تنتجه من زيادة متوالية ومتدفقة في الدخول. القطاع الخاص أقدر على تحفيز العمال وإيجاد الدافع لديهم لزيادة الإنتاج وتنمية أدائهم كما يوجد لدى الأفراد الحافز والدافع للتوفير والادخار، وينمي القدرة المحلية على الاعتماد على الذات وعدم اللجوء إلى المصادر الخارجية للتمويل. حكومات عربية كثيرة تمشي في اتجاه الخصخصة بخطى متباينة وسرعات مختلفة، لكن جميعها تعترف بأنها تمشي في الطريق الصحيح كي لا يكون إرث القطاع العام وما يحمله من عقلية تقاعسية وثقافة اتكالية، ثقيلا وعائقا أمام التحول نحو ما يجب أن يكون، ولعلّ التوجه السعودي الذي ما ينفك يعزز مشروع الخصخصة بدراسة وإحكام خير دليل على ذلك، فلقد أكد مسفر بن سعد المسفر، وكيل وزارة الإعلام أن قرار الخصخصة سيتعرف المجتمع السعودي على فوائده الكبيرة بعد حين عندما يتم التطبيق الفعلي لهذا القرار وتصبح كل مؤسسة تعمل على تنفيذ برامجها وأطروحاتها بقناعات راسخة بعيدا عن مركزية القرار وبالتالي ستكون يدها مطلوقة بما يحقق المصالح المشتركة لها وللمستفيدين من خدماتها. المعارضون للخصخصة هم في أغلبيتهم من المستفيدين والمتعيشين من رأسمالية الدولة وسراديب مؤسساتها التي يزدهر فيها الفساد بكل أشكاله من رشاوى ومحسوبيات وسرقات، بالإضافة إلى أن هذه المؤسسات مدرسة حقيقية في فنون البيروقراطية والجمود والتقاعس والكسل الفكري. القطاع العام بقرة حلوب للفئات الانتهازية التي يستفيد أصحابها من الحليب دون تفكير في العلف والمرعى والرعاية في ظل غياب الرقابة والشعور بالمسؤولية، إذ أن “المال السائب يعلم الناس السرقة” كما تقول العامة والخاصة في البلاد العربية على مختلف لهجاتها ولكناتها. الذريعة التي يتحجج بها أعداء الخصخصة هي أن الأخيرة في نظرهم تفويت في المال العام، وبيع لثروات البلاد وخيانة للفقراء وهلم جرا من شعارات غير واعية بمتطلبات المرحلة وغير مطلعة على الملفات الاقتصادية المعقدة التي يجب أن تترك لأهل الاختصاص. منتقدو الخصخصة يتحدثون عن حقوق العمال والفقراء وكأن الشركات الاقتصادية غيلان تتربص بالفئات الضعيفة دون مواثيق حقوقية أو روادع أخلاقية، في حين أن التجارب أثبتت أن حقوق العمال الاجتماعية ومستحقاتهم الأخرى مضمونة أكثر من الفطاع العام .

مشاركة :